خلال أسبوع واحد وبلا سبب مقنع أو طارئ, «استعرضت» الولايات المتحدة آلتها العسكرية البحرية المهولة ما بالك ترسانتها العسكرية «الكُلّية"؟, بما هي صاحبة أكبر ميزانية «دفاع» في التاريخ الأميركي, على نحو تكاد هذه الموازنة تفوق «كل» موازنات دول العالم مُجتمعة، ما استدعى المزيد من التساؤلات حول الغاية والهدف الاميركي من ارقام فلكية كهذه تكاد تصل الى «تريليون» دولار للعام الحالي(قيمتها 858مليار دولار, كما اقرها الكونغرس الاميركي بزيادة «45"مليار عن الميزانية التي اقترحها الرئيس بايدن).
نقول: خلال الاسبوع الحالي «سيّرت» الولايات المتحدة في ثلاث مناطق جغرافية من العالم, ثلاث قطع من اساطيلها البحرية ذات المسميات المتعددة, كأن تقول الاسطول الخامس او السادس او السابع.. سيّرت غواصتان ومدمرة واحدة.. المُدمرة Milius «مرت» الاحد الماضي قرب جزر «سبراتلي» المتنازع عليها – كما الوصف الاميركي خصوصا في بحر الصين الجنوبي، بذريعة ان الهدف من هذا المرور كان لـ"ضمان حرية الملاحة» في المنطقة, على ما اشار بيان المكتب الصحفي للاسطول السابع بالبحرية الاميركية، ولم ينس «البيان» التذكير بان هذه المدمرة تحمل صوا?يخ مُوجهة، «ساعدت» وفقا للقانون الدولي – اضاف البيان – في الدفاع عن حقوق وحرية الملاحة في بحر الصين الجنوبي بالقرب من جزر سبراتلي. (بالمناسبة البيانات الاميركية لا تعترف بتسمية بحر الصين الجنوبي، بل تقول في بياناتها المختلفة «بحر جنوب الصين").. مُنبهاً البيان انه بعد «إنجازها عملية العبور، غادرت المدمرة «ميليوس» منطقة الخلاف الاقليمي، وواصلت عملياتها في بحر جنوب الصين».
في التوقيت ذاته كانت البحرية الاميركية تُحرك غواصة «نووية» أخرى تحمل اسم «فلوريدا» في اتجاه منطقة الخليج بعدما عبرت قناة السويس/يوم الجمعة الماضي, دعما للاسطول الخامس الاميركي الذي يتّخذ من منطقة الخليج مقرا له.,وهي مُزودة بصواريخ مُوجهة وقادرة على حمل ما يصل الى 154صاروخ كروز من طراز توماهوك, وستكون مهمتها «المساعدة» على نشر الامن والاستقرار البحريين في المنطقة. على ما أفاد أيضا احد المتحدثين باسم البحرية الاميركية..
اما الغواصة الاميركية «الثالثة» فقد «رست» في ميناء ليماسول القبرصي الجنوبي, اي في الجانب اليوناني من الجزيرة المُقسّمة منذ الغزو التركي لها في 20 تموز 1974, بذريعة حماية القبارصة الاتراك، ولم تنجح منذ ذلك التاريخ كل الوساطات والتفاهمات والضغوط في إحراز تقدّم نحو إعادة توحيد الجزيرة).
رسوّ الغواصة الاميركية «يو.إس.إس سان خوان» في ميناء ليماسول، والتي زارها الرئيس القبرصي, كان موضع «إشادة» من السفيرة الاميركية لدى قبرص جولي فيشر, التي وصفت رسوّها بانه «دليل واضح على التزام الولايات المتحدة وقبرص, بتعزيز الامن والاستقرار في المنطقة».
ماذا عن ردود فعل الدول «الثلاث».. الصين، ايران وتركيا المعنية بتحرّكات المدمرة والغواصات الاميركية؟.
نبدأ برد الفعل الصيني..فقد اعتبر ممثل وزارة الدفاع الصينية دخول المدمرة الصاروخية الاميركية في مياه بحر الصين الجنوبي (الذي تعتبره الصين مُلكاً لها) تصرّفا استفزازيا ـــ مضيفا ــ ان الجيش الصيني مُستعد لاتخاذ الاجراءات اللازمة ردا على هذا التصرف, (علما ان واشنطن تعتبر مطالبات بيجين في بحر الصين الجنوبي غير قانونية, وتحمل في طياتها تهديدا جديا لحرية الملاحة والرحلات الجنوبية والتجارية الحرة، فضلا عن حرية الفرص الاقتصادية للدول الساحلية لبحر الصين الجنوبي) كما دأبت الادارات الاميركية المتعاقبة على تبرير استف?ازاتها للصين.
رد الفعل الايراني كان هو الاخر لافتا وحادا, عكسته تصريحات ناطق الخارجية الايرانية الذي اعتبر نشر غواصات او قوات اميركية اخرى في منطقة غرب اسيا, (لا تستخدم طهران مُصطلح الشرق الاوسط, بل تصف المنطقة بـ"غرب آسيا") محاولة من واشنطن للتغطية على تراجُع قواتها عالمياً, داعيا واشنطن الى فهم «الحقائق الجديدة"في المنطقة، وان تتجنّب التدخل في منطقة غرب آسيا والخليج لصالح الكيان الصهيوني المُهتزّ».
فيما لم يتأخر رد الفعل التركي في شأن رسو الغواصة الاميركية في ميناء ليماسول القبرصي ("الرومي» كما تصِف انقرة الجزء القبرصي اليوناني من الجزيرة). اذ جاء في بيان للخارجية التركية الذي اكدت فيه تأييدها لبيان اصدرته جمهورية شمال قبرص التركية (كما يُوصَف تركياً) ان «الخطوات التي اتخذتها الولايات المتحدة على حساب الإختلال بالتوازن في قبرص، وتشجيع الادارة القبرصية الروسية على التسلح, لم يُساهِم – اضاف البيان – بأي شكل من الأشكال في استقرار المنطقة وايجاد حل عادل ودائم للقضية القبرصية».
في السطر الاخير.. هل ثمة شكوك بان دبلوماسية المدمرات والغواصات وطلعات قاذفات القنابل الاستراتيجية الاميركية, لم تُسهم سوى في تعقيد وتأجيج وتأزيم الملفات والقضايا الدولية الساخنة. ما يعكس «مآزق» أميركية مُتدحرجة تنبئ عن فشل وتراجع اكثر مما يمكن ان تعود به من فوائد, على محاولات واشنطن إفشال او تأخير إنهيار النظام أحادي القطبية الذي فرضته على عالم ما بعد الحرب الباردة؟.