في علم وحرفة السياسة الخارجية، ثمة قائمة طويلة من الأدوات التي تستخدمها الدول من أجل الحفاظ على مصالحها. هذه الأدوات تتراوح من بيان أو تصريح صحفي، أو ربما عتاب دبلوماسي داخل الغرف المغلقة، لتصل أحيانا لحرب شاملة كاملة توظف فيها كامل الإمكانات ويضحى فيها بالأرواح. ما بين العتاب الدبلوماسي والحرب، ثمة قائمة طويلة من الأدوات منها الدبلوماسية والإعلامية والقانونية والإدارية والاقتصادية.
حتى الحروب لها أصناف وأنواع، قد تبدأ بعمليات بسيطة معزولة، أو استخدام التجسس أو قصف الطيران والصواريخ، أو منع العدو من الطيران، إلى أن تصل لحرب شاملة تستخدم فيها كافة صنوف الاسلحة. قدرة الدول على استخدام الأداة الأمثل والأنسب لمواجهة حدث ما أمر في غاية الأهمية والتعقيد، وكلما فلحت الدول بذلك، كانت آليات صناعة القرار لديها مؤسسية وذات جودة عالية، وكلما اخفقت وتهورت، عاد عليها ذلك وبالا ولم تفلح في الحفاظ على مصالحها.
نوعية النقاش أعلاه مطلوبة عندما نتداول بالشأن السياسي الخارجي أو الاستراتيجي، وهي غائبة الى حد كبير عن نقاشاتنا بشأن القدس واهلها ومقدساتها الاسلامية والمسيحية. العواطف تغلب في نقاش شأن القدس وفي احيان تكون ذات اثر عكسي عن المراد تحقيقه. الناس والقيادات الشعبوية تريد مقاومة عسكرية، وتهلل للصواريخ، وتبدأ حالة تلاوم مباشرة داخلية بسبب ما يحدث بالقدس، وهي بذلك تفعل تماما ما تريده إسرائيل من حيث لا تدري. ظني أن توظيف الأدوات الدبلوماسية والقانونية والسياسية والإعلامية هو الأسلوب الأمثل والذي حقق نتائج أفضل بكثير من الأداة العسكرية أو المقاومة المسلحة، وقناعتي أن هذه الأدوات، مصحوبة بالعصيان المدني والمقاومة السلمية من المقدسيين، كانت ذا أثر حاسم لجهة كسب تعاطف العالم مع حقوق الشعب الفلسطيني، وتلكم هي المعركة الحقيقية لمن يعرف هذا الصراع جيدا. كانت الأمور تسير بصالح الفلسطينيين دوليا إلى أن تبدأ الصواريخ بالانطلاق، فيتحول النقاش من متعاطف مع الفلسطينيين إلى “من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها”. تاريخ الصراع يشير بوضوح لخسارات عربية وفلسطينية مستمرة بالأرض والحقوق إلى أن دخلنا بمسار تفاوض سلمي وظفنا فيه أدواتنا السياسية والدبلوماسية والقانونية لتتوقف خساراتنا ونبدأ نحقق بعض المكاسب وإن ما تزال متواضعة.
الموقف الأردني من القدس حكيم ومتقدم، يوظف الأدوات المتاحة بعقلانية مدروسة، يسعى للحفاظ على مصالح الامة في القدس بكل الأدوات المتاحة، ولا يغامر أو ينحدر للشعبوية لان ذلك سيكون ذا أثر عكسي على المصالح. مؤسف ومرفوض المزاودة على الموقف الأردني بالقدس، فكل ما يمكن للموقف الأردني القيام به يفعله، ولا يجوز بحال أن يلام الموقف العربي والإسلامي الوحيد المتقدم والداعم للمقدسيين وهو الموقف الأردني، بل يجب أن يشكر على اسناده قولا وفعلا لكافة إجراءات الحفاظ على القدس ومقدساتها.