يحرص الكثير من العاملين في العمل الخيري والمحسنين على تقديم الكفالات للأيتام والإحسان إليهم والعمل على رعايتهم وفق أسس وضوابط معينة تنسجم مع ثقافة ومعرفة وعلم القائمين على العمل .
ولا شك أن الجهة الكافلة لليتيم يجب أن تعامل اليتيم معاملة الأبناء في الانفاق والتربية والتعامل معهم والاحسان إليهم والاهتمام بمشاعرهم والحفاظ على كرامتهم.
تنتشر في مجتمعاتنا بعض المظاهر السلبية التي لا تحفظ كرامة اليتيم وتبتعد عن مفهوم الإحسان وصدقة العز وأغلب هذه المظاهر السلبية ناتجة عن عدم معرفة بالجانب النفسي والاجتماعي والقيمي والأخلاقي لليتيم ومن هذه المظاهر انتشار مشروع إفطار الصائم للأيتام في الحدائق العامة حيث يتم احضار الأيتام والقيام ببعض وسائل الترفيه لهم وتفطيرهم واعطائهم في بعض الأحيان كسوة عيد أو عيدية ومن هذه المظاهر أيضاً احضار اليتيم على مأدبة إفطار مع مجموعة من المحسنين ويتم تقديم المساعدات لهم ومنها أيضاً احضار مجموعة من الأيتام إلى صالة وعمل إفطار لهم . أشكال مختلفة لهذه الظاهرة السلبية والتي في ظاهرها تكريم لليتيم ولكن في نظرة تربوية عميقة نجد أن هذه المظاهر لها آثار سلبية كثيرة من ناحية الصحة النفسية لليتيم فهي جانب من جوانب توازنه لا يقل أهمية عن الصحة الجسدية ؛ لأنَّها المنظار المتحكم برؤية الإنسان للأمور، وتقبُّله للمواقف، وتفاعله مع الأحداث وتتحكم عدة عوامل بالتوازن النفسي للفرد , ولعلَّ أثر الفقر في الصحة النفسية أمرٌ لا يمكن إغفاله ؛ وذلك لأنَّ العوز المادي والتحجيم الاجتماعي الذي يُحتِّم الفقر وجوده في حياة الفقراء، يفرض عليهم نوعاً من الانطواء والانكسار وانعدام الثقة ، لذا نجد أنَّ الأثر السلبي على الأشخاص يكون بالغاً وسهل الملاحظة؛ لأنَّ أثر الحاجة والحياء والكره أنه فقير ونظرة الجميع له أنه فقير بحاجة . ولا يتوقف عند نظرة الإنسان لنفسه فحسب؛ بل يتعداها ليؤثر في سلوكياته الاجتماعية، ومبادئه في الحياة ، وطريقة وأسلوب تفكيره، ويتحدث أهل الاختصاص أن كل ما كبر الطفل شعر بالإهانة أكثر عند تقديم المساعدة له وعند إجبار الأهل خروجه إلى ساحات أو صالات أو غيرها من أجل إطعامه .
ولكن السؤال الأكثر إنسانية وهو من باب الافتراض لو أحداً منّا مات وترك من خلفه ذرية من الأبناء ما هو شعوره وهو يرى أفراد أسرته في هذه الأماكن ويتم احضارهم بهذا الطريقة والأسلوب مهما كان منظماً . هل يرضى لهم ذلك أم يعتبر أن ذلك انتقاص من كرامتهم الإنسانية .
ترغب في تفطير اليتيم اذهب مع إفطارك إلى منزله وافطر معه أو أكرمه بدعوته إلى منزلك وعامله كأحد أبنائك .
تريد أن تفطر اليتيم اذهب أنت وهو وعائلتك إلى مطعم وكأنه أحد أفراد أسرتك يجلس ويتحدث معك كأنه أحد أبنائك .
أو اسأله عن أطيب الطعام الذي يريده وأرسله إليه و لا تفرض عليه وجبات تقليدية معينة .
تريد أن تقدم كسوة عيد لليتيم أعطه مبلغ نقدي يذهب ويتسوق بكل حريته وإرادته وبالزمان والمكان المناسب له .
تريد أن تقدم عيدية لليتيم يمكن أن تقوم بتسليم المبلغ له مباشرة من يدك ليده حتى يشعر بدفء العلاقة .
اما احضارهم بشكل جماعي وإجلاسهم مع بعضهم فهو مشهد ينم عن انتقاص للقيم الإنسانية والحضارية للإنسان .
للأسف الشديد ومن خلال خبرتي الطويلة في مشروع كفالات الأيتام وجدت أن هناك الكثير من المفاهيم والأخطاء والسلوكيات والأفعال يجب أن يتم تغييرها وإعادة النظر إليها بطريقه تربوية نفسية اجتماعية وليس بطريقة مادية بحتة في تعاملنا مع اليتيم وكأنه سلعه يتم عرضها والتباهي في تقديم المساعدات لها ونحن للأسف بعيدين في مجتمعاتنا عن مفهوم الكفالات التي ذكرها الله عزوجل في القرآن فالله عزوجل قال ( وَكَفَّلَهَا زَكَرِيَّا ۖ ) أي أن زكريا عليه السلام كان يكفل مريم عنده في البيت كفالة كاملة وقال الله عزوجل في كتابه العزيز ( أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى ) في الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم كفله أولا جده عبد المطلب، ثم لما مات جده كفله عمه أبا طالب فكانت كفالة كاملة وقال النبي عليه الصلاة والسلام : " من كفل يتيما أو يتيمه عنده كنت أنا وهو كهاتين في الجنة " . ذكَر القرآن الكريم لفظ اليُتْمِ في ثلاثةٍ وعشرين مَوضِعًا ولقد استنتَج محمد الأمين الشنقيطي أنَّ هذه الآيات دارَتْ حول دفْع المضارِّ عن اليتيم في ماله وفي نفسه، وجلب المصالح له في ماله وفي نفسه .
متى سنخرج الطفل اليتيم من حالة اليتم التي هو فيها إلى الطريق الصحيح في التعليم والتربية والتنمية ؟ ، متى سننفض الغبار عن أفكار جمعياتنا ومجتمعاتنا إلى إحداث نقله نوعية وأفكار إبداعيه في كفالة اليتيم وليس الأسلوب التقليدي في الكفالة الذي قد كان يناسب زمان مضى ؟.
في تجربة تم الحديث عنها في كندا تم إدماج دار أيتام مع دار مسنين فكانت النتائج مبهره مثل هذه الأفكار الإبداعية هي ما نحتاج إليها في مجتمعاتنا لأن هؤلاء الأيتام أمانة في أعناقنا يجب علينا أن نضعهم في المسار الصحيح ونصنع منهم قادة قادرين على ترك بصمة واضحة لهم في الحياة .
ولعله من المناسب ان اذكركم ببعض الأيتام على مدار التاريخ ففي مقدمتهم الأنبياء حيث كان نبينا محمد صلى الله عليه وسلم يتيماً وموسى عليه السلام كان يتيماً وعيسى عليه السلام تلك المعجزة الربانية الخالدة أي أن ثلاثة من الأنبياء الخمسة من أولي العزم كانوا أيتاماً . ونذكر كذلك أبو هريرة والإمام الشافعي والإمام أحمد والإمام مالك وابن الجوزي والأوزاعي والبخاري وأبو حامد الغزالي وابن حجر العسقلاني وطارق بن زياد وعبدالرحمن الداخل وأبو الطيب المتنبي كلهم كانوا أيتاماً.
إن الجانب النفسي والأخلاقي والاجتماعي والقيمي يجب أن يكون موازياً مع أي عمل يتم تقديمه لإخواننا وأبنائنا الأيتام و المحافظة على كرامتهم الإنسانية لاشك أنها مطلب أساسي في أي عمل يقدم لهم .