معركة بدر التي نعيش ذكرها هذه الأيام كما في كل رمضان، لم تكن مجرد انتصار عسكري في معركة حربية،لكنها كانت إعلانا لانتصار منهج متكامل للحياة بأبعادها المادية والمعنوية، منهج يرشدنا إلى قواعد التغير الحضاري وفق النواميس التي وضعها خالق الكون لهذا الكون.
اولى حقائق هذا المنهج تقول إن الكثرة ليست شرط الانتصار والغلبة، وهي حقيقة أكدها القرآن الكريم بقول الله تعالى "كم من فئة قليلة غلبت فئة كثيرة بإذن الله"، ولعل انتصار المسلمين في بدر دليل مادي واضح على هذه الحقيقة, التي تكررت في كل معارك الفتح الإسلامي الكبرى كاليرموك، بينما انهزم المسلمون في بدايات معركة حنين وقد كانوا اكثرية، وفيهم رسول الله، ولولا ثباته عليه السلام لحلت بالمسلمين كارثة حقيقية، كما أن واقع الهزيمة العسكرية والحضارية التي يعيشها المسلمون في العصر الحاضر خاصة في فلسطين رغم كثرتهم اكبر برهان على ان الكثرة العددية ليست شرطا للانتصار، ولذلك حذر القران الكريم من الاغترار بالكثرة ،من ذلك قوله تعالى "ويوم حنين إذ أعجبتكم كثرتكم فلم تغني عنكم من الله شيئا". الحقيقة البدرية الثانية هي أن تحقيق النصر يحتاج إلى فئة من الناس تؤمن بقضيتها وتكون مستعدة للتضحية في سبيلها، وهو ما حدث فى بدر وفي كل التحولات الحضارية التي شهدتها البشرية.ولهذه الفئة من الناس التي يتحقق على يديها النصر الذي يؤسس للتحول الحضاري مواصفات، ففوق إيمانها بقضيتها، لابد أن تملك قبل ذلك إرادتها وقرارها الحر، وقبل ذلك كله مشروعها القادرة على إقناع الناس به، وهذه كلها دروس نتعلمها من بدر عندما لا نختصر قرأتها كمجرد معركة عسكرية.