يقول نائب رئيس الوزراء وزير الخارجية في مقابلة إعلامية مع قناة الجزيرة أن العنف يولد العنف وأن الإسرائيليين لن يحصلوا على الأمن ما لم يحصل عليه الفلسطينيون.
وكلام الوزير قد يكون مفهوما من حيث مفرداته الدبلوماسية لأنه موجه الى جمهور دولي يعترف بإسرائيل، ولا يتوقع من وزير خارجية دولة لها معاهدة سلام مع اسرائيل، ان يدعو الى جمع التبرعات للمقاومة وحمل السلاح، أو أن يشرعن العمليات التي ينفذها شبان فلسطينيون.كلام الوزير هنا يفسر المشهد وكأن ما يقوم به الفلسطينيون هو رد فعل فقط، على تصرفات اسرائيلية ضد الفلسطينيين، ولولا التصرفات الاسرائيلية لسكت الفلسطينيون.معنى الكلام الضمني ان اسرائيل اذا اوقفت سياساتها القمعية ضد الفلسطينيين، فسوف يتوقف رد الفعل الفلسطيني، على اساس “الامن مقابل الامن”، او “السلام مقابل السلام”، بعد ان كنا نتبنى طوال عقود شعار “الارض مقابل السلام”، وهو شعار سقط فعليا على ارض الواقع.ما يقال للوزير هنا، ان القصة ليست قصة امن فقط، وليست قصة “لا تطلق علي الرصاص، حتى لا أطلق عليك الرصاص”، هي قصة الاحتلال منذ عام 1948، وليس منذ عام 1967، وقصة شرعية الاحتلال، التي لا يمكن ان تبقى شرعية حتى لو اعترفت بها دول العالم ودول عربية، وما يسمى الممثل الشرعي والوحيد، للشعب الفلسطيني، الذي لا نعرف من منحه هذا الصك، وهذه التسمية، ليستفرد بوكالة الفلسطينيين، وتمثيلهم والتنازل عن ثلاثة ارباع فلسطيني باسمهم.كل الدعوات للتهدئة داخل فلسطين، تستفيد منها اسرائيل فقط، لأن التهدئة هنا توفر الامن لمواصلة المشروع الاسرائيلي، وبناء المستوطنات، وتهويد القدس، وهذا يعني ان صبغ الدعوات للتهدئة بصبغة التوازن، والفصل بين طرفين متساويين، صبغة خادعة، وكأننا وسط صراع بين اطراف تتساوى في الشرعية والحقوق، وفك النزاعات بينهما واجب دولي لضمان سير الاستقرار.المشروع الاسرائيلي في أسوأ حالاته، فهو امام كتلة ديموغرافية من سبعة ملايين فلسطيني داخل فلسطين التاريخية، لا تعرف اسرائيل كيف تتعامل معهم، وهذا المشروع امام مقاومة منظمة، وغير منظمة داخل فلسطين، وهو ايضا امام جوار عربي معاد له، بكل ما تعنيه الكلمة، مهما ظنت اسرائيل ان هذا المحيط منهك ومرهق بالحروب والازمات السياسية والاقتصادية، والخبراء الاسرائيليون ذاته يكتبون ويتحدثون اليوم، عن الازمات البنيوية الداخلية التي تعصف بكينونة الاحتلال، على مستوى الاحزاب والاتجاهات السياسية، وهشاشة البنية الاجتماعية التي لا تحتمل حدثاً امنياً صغيراً في اي موقع داخل فلسطين التاريخية او عبر جوارها.وقد اثبتت الاحداث مرارا وعلى مدى عقود ان الاقتراب من القدس، يفتح باب جهنم على المشروع الاسرائيلي، وتمثل ذلك في احداث الاقصى في ايار 2021، واحداث الاقصى الحالية نيسان 2023، ولا نعرف بعد ما الذي ستأتي به الايام والاسابيع والشهور المقبلة، خصوصا، في ظل ما تعتبره اسرائيل مهددات امنية عربية واقليمية، من دول كثيرة، لم تحسم المعركة معها بعد.عبر سبعة عقود، ما نزال نعيش نفس المشهد، اي الاحتلال والوقوف في وجهه، وهي حالة سوف تبقى، ولا يمكن ان تزول، حتى لو نجح شعار ” الامن مقابل الامن” لان القصة في اساسها، قصة احتلال، وليس مجرد ركعتين في الاقصى، او حواجز تضايق الفلسطينيين في حركتهم، وهذا يعني ان هذه الازمة، قابلة فقط للجدولة والتأجيل، لكن حلها الجذري هو الاعتراف ان هذه فلسطين من بحرها الى نهرها، وبدون ذلك، سيواصل السياسيون شراء الوقت، وتأخير الاستحقاقات فقط.ومع الاقرار هنا بأن مقابلة الوزير كانت حادة في معظم مفرداتها واحتوت نقدا هائلا لتصرفات الاحتلال الاسرائيلي، في كافة المجالات، الا ان الحقيقة التي تجنب الوزير الاقرار بها تتعلق باستحالة تغير اسرائيل استراتيجيا، بما يؤكد ان هذه دولة احتلال لا تحتل ارض 1967 وحسب، بل إن كل مشروعها قام على مبدأ احتلال ارض شعب كامل منذ اللحظة الاولى عام 1948.من شعار “الارض مقابل السلام”، الى شعار “الامن مقابل الامن”، قوس ممتد من الدموية، فوق هذه المنطقة، وسط حقائق لا يمكن تغييبها، ولا اعادة انتاجها تحت مسميات مختلفة.
الأمن مقابل الأمن في كلام الوزير
مدار الساعة (الغد) ـ