مدار الساعة - أحدثت مسلسلات رمضانية جدلا في عدد من الدول العربية، بسبب الانتقادات التي تعرضت لها، لمعالجتها قضايا تدخل ضمن التابوهات في هذه البلدان. تونس، الجزائر، ليبيا، مصر، السودان، والعراق... أبرز الدول التي أثارت فيها هذه الأعمال التلفزيونية غضب جهات وترحيب أطراف أخرى. فما هي هذه المسلسلات؟ وما موضوعاتها؟
كما جرت العادة في كل رمضان، تعرض القنوات العربية مسلسلات بسيناريوهات مختلفة، تحظى عموما بإقبال كبير. وتكون قصص أبطالها وسيرهم محط اهتمام المشاهد العربي طيلة شهر الصيام. لكن البعض منها يتحول إلى هدف للانتقادات المختلفة خاصة عندما يتجرأ مخرجوها على تجاوز الخطوط الحمراء المرسومة سلفا في مجتمعاتهم.
ويتهم هؤلاء بالإساءة إلى "منظومة القيم" التي تتجند جهات في المجتمع أو السلطة للدفاع عنها، ما يعرض هذه المسلسلات في بعض الأحيان إلى المنع، كما حصل مع إحدى المسلسلات العراقية، فيما تساهم هذه الأعمال في فتح نقاشات موسعة بشأن قضايا اجتماعية وسياسية وحتى تاريخية، يتعذر على النخب العربية من الطبقة المثقفة الخوض فيها لحساسيتها تجاه المجتمع أو السلطة.
ونستعرض هنا مسلسلات أحدثت ضجيجا كبيرا في بلدان عربية بعد أن اصطدمت بعض مشاهدها أو موضوعاتها برفض من مشاهدين، رأوا أنها تسيء لمجتمعاتهم، وطالب البعض منها في أكثر من مناسبة بوقف عرضها، فيما لا ترى أصوات أخرى أي مشكلة في إثارة الممنوع مجتمعيا وسلطويا عبر هذه الأعمال الدرامية.
تونس: "الفلوجة" أو انحراف المراهقين تلفزيونيا
سلط مسلسل تونسي بعنوان "الفلوجة" الضوء على مسألة انحراف المراهقين والعلاقات المتوترة بين التلاميذ والأساتذة وعائلاتهم. لكنه أغضب الحكومة، وانتقد وزير التربية التونسي محمد علي البوغديري بشدة عملا، "يسيء" إلى النظام التعليمي في تونس وإلى التلاميذ، فيما تقدم محاميان بطلب إلى المحكمة لوقف بثه، إلا أنها رفضت الدعوى.
وكانت الحلقة الأولى من المسلسل، الذي أخرجته سوسن الجُمني وأنتجه تلفزيون "الحوار التونسي"، أبرزت المصاعب التي بدأت تواجه أستاذة في التعامل مع تلاميذ الفصل الذين كتبوا على سيارتها بالإنكليزية "مرحبا في فلوجة" ما أثار غضبها. وهو اسم المدينة العراقية التي كانت معقلا للمقاتلين السنة المناهضين للغزو الأمريكي للعراق عام 2003. كذلك يتطرق إلى ظاهرة بيع وتوزيع الأقراص المخدرة للتلاميذ من قبل منحرفين والاعتداءات الجنسية على القصر وغيرها من المسائل الشائكة.
ودفاعا عن المسلسل، قال الصحافي والناقد السينمائي خميس الخياطي لرويترز إن "الشوشرة" التي رافقت الحلقات الأولى من مسلسل (فلوجة) "مفتعلة وأخرجت العمل الدرامي من سياقه، وهي محاولة لفرض رقابة أخلاقية.
العراق: "الكاسر"... زعيم القبيلة محب للنساء وطاغية
وفي العراق، قضت الهيئة المكلفة بتنظيم ومراقبة وسائل الإعلام، "هيئة الإعلام والاتصالات" بوقف مسلسل "الكاسر"، الذي يتطرق لموضوع العشائر بعدما تسببت أولى حلقاته بارتفاع أصوات تطالب بمنعه بدعوى "إساءته" لها.
وكان المسلسل يبث على قناة "يو تي في"، وأثارت الحلقات الثلاث الأولى منه استياء في أوساط سياسية وعشائرية في البلاد. ويتحدث العمل التلفزيوني عن الصراعات العشائرية وجرائم الثأر في جنوب البلاد، ويصور زعيم القبيلة بأنه محب للنساء وشخصية طاغية.
وفي كتاب رسمي وجهه الجمعة، طالب النائب مصطفى سند، المنتمي إلى الإطار التنسيقي ذي الغالبية البرلمانية، بإيقاف بث المسلسل لأنه "يسيء لمجتمعات جنوب" العراق و"سمعة عشائرنا الأصيلة". علما أن العمل يشارك فيه نخبة من كبار الممثلين العراقيين.
لبنان: "النار بالنار"... "من الأعمال الجريئة"
لم تمر الحلقات الأولى من مسلسل "النار بالنار" للمخرج السوري محمد عبد العزيز بدون ضجيج إعلامي وجدل على مواقع التواصل في لبنان وسوريا، ورافقتها اتهامات له من قبل مواطنه كاتب السيناريو رامي كوسا بأنه قام بتحريف فقرات فيه.
وكان مشهد طلب المصور لمريم في المسلسل بنزع الحجاب، محط أخذ وشد على مواقع التواصل، واعتبر مسيئا للمحجبات، والشيء نفسه بالنسبة لمشهد آخر حول العنصرية التي قد تستهدف السوريين في لبنان.
الممثل أحمد قعبور، وهو أحد المشاركين في العمل، اعتبر أن: "المشهد الذي وصف بالعنصري واقعي جدا، ويعبر عن وجع الشعبين اللبناني والسوري نتيجة الضغوطات الكبيرة التي يعيشها كل منهما".
وأشاد قعبور بجرأة "النار بالنار" قائلا: "طالما يسلط المخرج في المسلسل الضوء على خطاب العنصرية والكراهية فهذا يعد من الأعمال الجريئة ولا يجعله مدانا أو سلبيا.
ليبيا: "السرايا"... "اعتذار وإعلاء للصلح"
وفي ليبيا، تم حذف الجزء الثاني من مسلسل محلي "السرايا" المعروض على قناة "سلام"، "كاعتذار وإعلاء للصلح" حسب تعبير القناة، إثر الجدل الذي أشعله هذا الجزء في الأوساط الليبية، بسبب انزعاج أهالي مدينة ورشفانة الذين وجدوا فيه إساءة لهم ولمدينتهم.
ويظهر المشهد المثير للجدل الممثل فتحي كحلول في شخصية (سليمان) وهو يخبر صديقه عن تعرض شجرتي لوز بأرضه في منطقة ورشفانة للسرقة، وأن القضاء أعطى أوامره لاعتقال السارق. وهو ما جعله يتصدر المواقع الاجتماعية ومحرك البحث غوغل، وانقسم بخصوصه المشاهدين الليبيين، حيث هناك من استنكر ما اعتبره إساءة لأهالي ورشفانة، وهناك من لم يجد أي داع لهذا الجدل ولا يسيء أبدا للمنطقة، حسب موقع "ميدل إيست".
ومسلسل "السرايا" هو عمل مشترك ليبي تونسي من تأليف سراج هويدي وإخراج أسامة رزق وإنتاج وليد اللافي، تم تصويره في تونس وشارك فيه ممثلون من البلدين. ويعالج العمل الصراع الكبير الذي حدث بين ليبيا والولايات المتحدة وحرب السنوات الأربع في الفترة بين 1801 و1805، والصراع بين أبناء يوسف باشا القرمانلي على حكم طرابلس، وفق تصريحات لمخرجه أسامة رزق نقلته وسائل إعلام.
مصر: "جعفر العمدة" والمشهد المحذوف
لم تخرج مصر أيضا عن الجدل بشأن المسلسلات الرمضانية، بسبب حذف مشهد من إحدى حلقات "جعفر العمدة". ويتضمن المشهد المحذوف شجارا بين جعفر، الذي يجسده الممثل محمد رمضان، مع "دودي" الخطيب السابق لزوجته الرابعة، والذي ينتهي بانتصار الأول فيما ظهر خصمه وأصدقاؤه معلقين وعلى أجسادهم آثار العنف.
هذا المشهد لم يحذف بالقنوات التي تعرض بالخليج، وهو ما أثار استياء البعض على حذفه على المصريين فقط. ونقل موقع "مصراوي" تعليق الفنان محمد علي رزق بهذا الخصوص، جاء فيه: "يعني إيه مشهد من مسلسل مصري في القنوات والمواقع المصرية بيتعرض في نسخة الخليج".
وتدور أحداث المسلسل حول "جعفر العمدة"، وهو شاب من حي السيدة زينب، متزوج من أكثر من سيدة، ويعاني كثيرا بسبب اختطاف ابنه منذ 20 عاما. ويصور العمل بأسلوب فني درامي، يشد المشاهد، رحلة بحثه عن ابنه، فيما أخبر زوجته وأسرته بأنه مات.
والمسلسل من تأليف وإخراج محمد سامي، وبطولة محمد رمضان، بمشاركة، هالة صدقي إيمان العاصي، مي كساب، أحمد داش وآخرون.
الجزائر: "الدامة"... "ينشر أفكارا جهنمية"
في حي باب الواد بالعاصمة الجزائرية تدور أحداث مسلسل "الدامة"، الذي يعرض على التلفزيون الرسمي، وأثار الكثير من الجدل، طالبت في خضمه العديد من الأصوات على مواقع التواصل بإيقاف بثه، لأنه "ينشر أفكارا جهنمية، لتلويث عقول أطفالنا وبناتنا"، وفق تغريدة أحد المستائين من عرض هذا العمل.
وفي مقابل الرافضين له، أشاد آخرون بالمسلسل، لما يقدمه من "قصة واقعية مؤثرة وإخراج سينمائي في الدراما التلفزيونية...".
وكتبت مسعودة بوطلعة في صحيفة الخبر الجزائرية مدافعة عنه: "ما يزال مسلسل "الدامة" للمخرج يحيى مزاحم، والذي يعرض على التلفزيون العمومي الجزائري، يصنع الحدث، فبعد أن احتل الترند وأصبح الأكثر تداولا على منصات التواصل الاجتماعي حتى عربيا، ها هو يثير جدلا بقضية ترويجه لحركة انفصالية مصنفة إرهابية، لتكتمل كل توابل النجاح التي تحيط بالمسلسل الذي فضح تجار المخدرات ومافيا الذهب، وكشف عن أمراض المجتمع الجزائري في حي باب الوادي أشهر الأحياء الشعبية في الجزائر، وقد حققت حلقاته منذ الأولى أعلى عدد مشاهدات على تويتر وأكبر متابعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي ووصل إلى 7 مليون مشاهدة".
وتضيف: "رغم هذا النجاح الذي تعدى حدود الوطن إذ لقي المسلسل تجاوبا ومتابعة من خارج الجزائر، إلا أنه يتعرض لحملة يصفها بعض المتابعين بالمقصودة والممنهجة والتي تحاول تحطيم كل نجاح تظهر بوادره في الجزائر. وكانت آخر حملة هي الادعاء أن المسلسل يروج لحركة انفصالية مصنفة إرهابية وظهر ذلك في الحلقة الأولى، ولم تطرأ هذه القضية إلا بعد عرض 8 حلقات من المسلسل، مما يؤكد أن وراء ذلك أياد خفية لم يرق لها نجاح المسلسل وفضحه للمسكوت عنه".
السودان: "ود المك"... "جرأة في نزع القدسية" عن رجال الدين
غصت مواقع التواصل في السودان بالنقاش حول المسلسل التلفزيوني "ود المك"، الذي يجري عرضه عبر قنوات محلية سودانية. وأدى الأمر إلى انقسام بين فريق أشاد بجرأته في نزع القدسية عن شخصيات في المجتمع السوداني، وتحديدا رجال الدين، ومنتقدين رأوا أنه يقوم "بتشويه صورة" هؤلاء، وطالبوا بإيقاف عرضه.
"وأثار اعتذار منتج المسلسل عن بث الحلقة التاسعة، يوم الجمعة، خشية المتابعين من أن تؤدي المطالبات بإيقاف المسلسل والضغوط المختلفة إلى تعطيل بث الحلقات المتبقية"، وفق موقع "العرب".
وبحسب نفس المصدر، "شن عدد من أئمة المساجد في ولاية الخرطوم هجوما عنيفا على المسلسل، الذي يُعرض على قناة "البلد". وخصص بعض الأئمة جزءا من خطبة الجمعة للهجوم على أصحابه، بحجة أن المسلسل يُسِيء لأهل الدين، مطالبين بإيقافه عن العرض".
ويبدو أن توقف المسلسل الجمعة كان لأسباب ذاتية بالدرجة الأولى، حيث كتبت المديرة العامة لقناة البلد الفضائية السودانية على صفحتها منشورا، قالت فيه إن قرار عدم بث حلقة يوم الجمعة جاء استجابة لمخرج العمل الفني الذي أشار إلى عدم جاهزية الحلقة.
وبالفعل، لم يتأخر المخرج السوداني هيثم الأمين كثيرا عن الإعلان عن معاودة بث حلقات المسلسل، وهو ما لاقى ترحابا إلكترونيا واسعا، حسب "العرب".
وقال الأمين في صفحته بفيس بوك: "إيمانا منا بدور الدراما المتعاظم والرسائلي في بناء المجتمعات وتصحيح مسارها بتسليطها الضوء على مشكلات المجتمع وقضاياه، وإيمانا منا بأن المبادئ لا تتجزأ، المحامي والطبيب والشرطي والعامل البسيط والمهندس والشيخ كل هؤلاء عبارة عن نماذج تمثل شرائح المجتمع المختلفة، طرح الدراما للطبيب الفاسد لا يعني التعميم على الكل، طرح المحامي الفاسد لا يعني التعميم على الكل، وبما أن الدراما هي بمثابة المرآة التي تعكس واقع المجتمع وقضاياه، إذن لا كبير على الدراما، هكذا هي قناعتنا، وبهذا نعلن نحن أسرة مسلسل ‘ود المك’ عن معاودة البث على قناتي ‘البلد’ و’سودانية 24’ وعلى قناة مصعب ‘زول سغيل’ في يوتيوب".