قبل عصر الكهرباء كان في المسجد الاقصى اكثر من عشرين الف سراج منير، يتم ايقادها في المناسبات مثل رمضان والاعياد وغير ذلك، وكان المسلمون من كل انحاء العالم الاسلامي، يتبرعون بالزيت وكلفه المالية، والذي يتم تجميعه في بئر خاصة للزيت تحت المسجد الاقصى.
وفي الايام العادية كان في المسجد الاقصى اكثر من الف ومائتي سراج يتم ايقادها بين صلاة المغرب والعشاء، يوميا، فهذا المسجد هو القبلة الاولى، وله مكانته الخاصة والمهمة جدا.
هذا يعني ان المسجد الاقصى لأمة كاملة، عليها مسؤولية الدفاع عنه، وهذه الامة في اغلبها يتفرج، البعض يقول لك انه بعيد عن القدس، والبعض الاخر يقول العين بصيرة لكن اليد قصيرة، ولا قدرة له على فعل شيء، وفريق ثالث ينتظر فرج الله، من حيث لا نحتسب في هذا المسجد.
ليلة الخميس، وفجرها تمت استباحة المسجد الاقصى مجددا، والمشهد الذي رأيناه ليس جديدا، دخول جند الاحتلال بأسلحتهم الى داخل المسجد، واطلاق الرصاص والقنابل الغازية، والاعتداء على السيدات المصليات، واعتقال الشباب، واخلاء المسجد بالقوة، بذريعة ان لا اعتكاف الا في العشرة الاواخر، برغم معرفتنا جميعا ان اسرائيل اعلنت مرارا نية جماعاتها اقتحام الحرم القدسي والاقصى، قبل العشر الاواخر، وفي هذه الايام تحديدا، بذريعة الاعياد اليهودية.
المشاهد المصورة مخزية، ومحزنة، ومؤسفة، وتثير الاسى في قلوب الكل، لكننا نتفرج، وكأننا من امة محايدة، لاعلاقة لها بكل الذي يجري، خصوصا، ان المعركة هنا ليست مجرد معركة سيادة سياسية على القدس، بل تمتد الى الوجه الديني للمدينة، وسعي اسرائيل للتخلص من اسلامية المدينة فيما يخص الحرم القدسي، تحديدا، وهي التي ترعى كل الجماعات المتطرفة، وتجعلها بديلا عنها في انفاذ سياسات الحكومة الاسرائيلية وجماعاتها بحق الاقصى، مما يؤشر على تداعيات اكبر، لا يمكن حصرها، ولا التنبؤ مسبقا بسقوفها، وقد رأينا ليلة الخميس، كيف تنزلت رشقات الصواريخ من غزة، على الاحتلال، بما يقول ان سيناريو رمضان قبل عامين، قد يتكرر في اي لحظة، خصوصا، مع وجود الفريق الاسرائيلي الحاكم الحالي، الذي لا يختلف عن سابقيه من حيث النوايا، وان كانت خشونته الظاهرة، اعلى واشد وطأة على مدينة القدس.
الحرم القدسي، لم يكن فلسطينيا بالمعنى الحصري، الا في هذه السنين، التي تريد عزل الاقصى عن كل سوار حمايته الاكبر، وتحويله الى مجرد اثر قديم، يدافع عنه سكان المكان، فيما هو في الاساس يعد جزءاً من العقيدة، وليس ملمحاً وطنياً بالمعنى المتعارف عليه، وليس ادل على ذلك اضافة الى قصة السراجات التي كان يتشارك فيها المسلمون من كل مكان، من ان مدينة القدس كانت تشهد دوما قبل الاحتلال قدوم افواج المؤمنين والحجاج العائدين من مكة المكرمة، لزيارة الاقصى، من كل الجنسيات، تاريخيا، وبين عائلات القدس اليوم، عائلات من اصول مختلفة، مغاربية وافريقية، وغير ذلك، لان الموقع حاضن للهويات الفرعية، تحت مظلة جامعة واحدة.
مناسبة كل هذا الكلام الذي يعاد مرارا وتكرارا، ان نذكر ان هذا المسجد مهدد، بالتقسيم المكاني، وتثبيت التقاسم الزمني وزيادته، فوق الاستباحات والاهانات اليوميةن ومحاولات اضعاف الكتلة الديموغرافية الفلسطينية الحامية للمسجد الاقصى، واغراقها بالديون والغرامات والضرائب والاعتقال والقمع والقتل، في مسعى لتفتيت هوية القدس، وتحويلها الى مدينة اسرائيلة تسوقها اسرائيل امام العالم، كعاصمة لها، تقبل تعدد الهويات الدينية الخافتة والضعيفة، تحت هوية اسرائيل، فقط، بما يعني تذويب هذه الهويات، وشطبها، وجعلها مجرد هويات لأقليات عابرة لا وطن لها، ولا مستقر ولا اساس، ولا كأنهم اصحاب هذا المكان.