مع إصدار الحكومة لسندات اليورو بوند بقيمة 1.25 مليار دولار، يبدأ مسلسل الإشاعات حول الاقتراض والمديونيّة، وكأنّ العمليّة إضافة دين جديد على الخزينة خارج إطار التوقّعات.
بداية، لا بدّ من الإشارة إلى أنّ سندات اليوروبوند الجديدة تأتي ضمن موازنة التمويل المدرجة في قانون الموازنة العامّة لعام 2023 ، وبالتالي فإنها تندرج ضمن الدين المتوقّع لهذا العام ولن تزيد من قيمته، فقانون الموازنة لسنة 2023 قدر عجز الموازنة المجمعة بما يزيد على 2.3 مليار دينار، وسيتمّ سداد هذا العجز بالاقتراض كما أعلنت عنه الحكومة عند إقرارها، وهو أمر طبيعيّ؛ ما دام هناك عجز في الموازنة، سيكون هناك اقتراض لسداده، سواء كان داخليّاً أم خارجيّاً، أو الاثنين معاً كما هو في الحالة الأردنيّة، حيث أعلن وقتها وزير الماليّة أنّ عمليّات الاقتراض لسداد عجز الموازنة ستكون بحدود المليار من الداخل والباقي من الخارج، وهذا ما حدث فعلاً الآن، وبالتّالي، لا يوجد أيّ دين جديد خارج إطار المستهدف في قانون الموازنة العامّة.
الأمر الآخر الّذي يحتاج إلى توضيح اقتصاديّ هو أنّ الأزمات الاقتصاديّة الدوليّة والإقليميّة غيّرت من مفاهيم الأزمات والتحدّيات المحلّيّة، فاليوم، على ضوء الأزمات الراهنة، فإنّ غالبيّة الأزمات السريعة والملحّة الّتي تتعرّض لها اقتصاديّات الدول هي بسبب توفّر السيولة الماليّة لتمويل النفقات والاحتياجات الطارئة الّتي فرضتها طبيعة التحدّيات الدوليّة والإقليميّة مثل تداعيات جائحة كورونا والحرب الروسيّة الأوكرانيّة، لذلك، فإنّ أولويّات الاستقرار الاقتصاديّ ركّزت في الآونة الأخيرة على كيفيّة توفير سيولة ماليّة جديدة لمواجهة النفقات الطارئة، وهنا، نستطيع القول بكلّ صراحة أنّ الأردنّ توفّرت له مساحات ماليّة جديدة وكبيرة في هذه الأوقات الصعبة في الأسواق العالميّة نتيجة لجهوده المبذولة في عمليّات الإصلاح الاقتصاديّ والّتي انعكست إيجاباً على تصنيف الأردنّ لدى مؤسّسات التصنيف الائتمانيّ العالميّة والّتي كان آخرها رفع تصنيف الاقتصاد الوطنيّ إلى إيجابيّ مستقرّ.
نجاح الأردنّ في إصدار سندات اليوروبوند الجديدة يعتبر مؤشّراً إيجابيّاً من عدّة نواح، خاصّة وأنّ التغطية كانت 6 أضعاف لما طلبته الحكومة وبمشاركة كبرى المؤسّسات الماليّة العالميّة في الإصدار، وهذا يعكس النظرة الإيجابية وثقة هؤلاء المستثمرين العالميّين في عمليّات التصحيح الاقتصاديّ في المملكة واستقرار السياسات الماليّة والنقديّة الّتي كانت محطّ رقابة المانحين والمستثمرين الدوليّين.
هذه الثقة لم تترجم فقط بحجم التغطية الكبير للإصدار وبسعر الفائدة الّذي يعتبر الهاجس الأكبر لأيّ عمليّة اقتراض سواء كانت داخليّة أم خارجيّة. فبعد سبع رفعات متتالية لأسعار الفائدة من الاحتياطيّ الفيدراليّ الأميركيّ، نجح الأردنّ في الحصول على تمويل ضعف ما طلبه وبأسعار فائدة أقلّ بـ25 نقطة عن آخر إصدار لسندات اليوروبوند الّتي كانت قد أصدرتها الحكومة قبل عام تقريباً. وهو أمر صحي جداً، بأن تحصل الحكومة على تغطية كبيرة لإصدارها وبسعر فائدة 7.5 % في هذا الوقت تحديداً، والّذي فشلت فيه دول كبرى في المنطقة بالدخول في سوق السندات بأسعار فائدة 11 % و12 %.
الاقتراض الخارجيّ بهذا الحجم وبأسعار فائدة أقلّ ممّا هي في الأسواق سيوفّر سيولة ماليّة كبيرة لدى الجهاز المصرفيّ لدعم تمويل أنشطة القطاع الخاصّ ومشاريع رؤية التحديث الاقتصاديّ. وستكون وسيلة ضغط أيضاً لتخفيض أسعار الفائدة في المستقبل القريب، لأنّ الحكومة بهذه السندات الجديدة لن تزاحم القطاع الخاصّ على الاقتراض الداخليّ.
نعم، المديونيّة سترتفع ضمن المستهدف في قانون الموازنة ولا يوجد شيء جديد غير المقدّر في خطّة الدولة الماليّة الّتي أقرّها مجلس الأمّة.
فالحكومة مطالبة بتوفير السيولة التمويليّة لتلبية كافّة احتياجاتها الماليّة، والعجز هو خلل مزمن في الموازنات العامّة ولا يمكن سداده إلّا من خلال الاقتراض. ولولا وجود إصلاح ملموس ماليّ ونقديّ حقيقيّ واستقرار ملموس بشهادة المؤسّسات الاقتصاديّة الدوليّة والمانحين، لما توفّرت للأردنّ أيّ مساحات ماليّة بهذا الحجم وبهذه الأسعار للفائدة.
نعم، هناك استقرار ماليّ ونقديّ في الأردنّ لا يمكن إنكاره قامت به الحكومة ممثّلة بوزارة الماليّة والبنك المركزيّ اللّذين قادا الاقتصاد الأردنيّ في أصعب التحدّيات والظروف. والسير بخطوات الإصلاح رغم المعيقات الإقليميّة والدوليّة وبشهادة المجتمع الدوليّ خاصّة في ظل هذه الظروف، ممّا مكّن الأردنّ من الوفاء بكلّ التزاماته الداخليّة والخارجيّة دون أيّ تأخير.