أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مناسبات مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة طقس اليوم

‏إذا انتقدتَهم فَجَروا


حسين الرواشدة

‏إذا انتقدتَهم فَجَروا

مدار الساعة (الدستور الاردنية) ـ
يرونك كاتبا «حرا»، ما دمت تدافع عنهم، حتى إذا اقتربت منهم بأي انتقاد، اصبح المطلوب أن تكون عبدا، مقيدا بسلاسل الحقيقة التي يحتكرونها لأنفسهم، والصواب ( صوابهم)، الذي لا يشاركهم فيه احد، والا فأنت « كاتب مأجور».
معقول أن تكتب في قضية عامة قابلة للنقاش، واختلاف وجهات النظر، فلا تسمع منهم سوى تذكيرك ب»العقوبة الإلهية»، يتدخلون في علاقتك مع الله، وكأنهم وكلاء عنه سبحانه في الأرض، أو كأنك ارتكبت معصية، وربما إحدى الكبائر، أنت الباطل وهم الحق، وواجبهم أن يحذروك من مصيرك في جهنم، والعياذ بالله.
‏أحدهم، شيخ تجاوز الثمانين من عمره، يقسم بالله العظيم انه يتابع مقالاتي منذ 40 عاما، كلها ضد الدين، آخر ( قيادي كبير ) يصفني بأنني من كتّاب التدخل السريع، وهدفي حرف البوصلة عن المسجد الاقصى، ثالث يذكرني بقوله تعالى « وإن بطش ربك لشديد «، رابع أستاذ في الشريعة يسألني: من وجّهك لتكتب، أنت بدأت الإساءة والبادىء اظلم، خامس يقول : مقال معيب على من كتبه ومن نشره، سادس يطلب مني أن اتوب إلى الله ويختم تعليقه «ستكتب شهادتهم ويسألون «، سابع يعتبر أن دفاعي عن المؤسسة الدينية «بهتان مبين «.
هذه عينة، فقط، لخطاب ديني- سياسي، مزدحم بالاساءات، أعرف، تماما، أصحابه ومن يقف وراءه، بعضهم يعمل في مجال تدريس الشريعة بالجامعات، او الدعوة إلى الله في المنتديات، أو العمل السياسي الإسلامي، وبعضهم من الشباب المتحمسين، يجمعهم كلهم إطار سياسي واحد، يتحركون فيه للدفاع عن تنظيمهم.
هذا الخطاب المأزوم، للأسف، يمثل جزءا من الصورة التي ولّدت في مجتمعنا حالة التعصب واليأس، والكراهية والتدين المغشوش، وأفرزت أسوأ ما فينا من احتراب وكراهية وانقسام، نحن الأردنيون - ايضا- مسؤولون عنه، لأننا صدقنا دعاته واسلمنا لهم عقولنا، ورفعناهم فوق اكتافنا، ظنا منا انهم افضل من يتصدر صفوفنا، او انهم ما نطمح اليه من «بديل».
‏تصوّر، للحظة، أن اصحاب هذا « البديل» وصلوا إلى سدة القرار والحكم، لا قدر الله، هل يجرؤ احدنا على انتقادهم إن أخطأوا ؟ هل سيكونون أفضل حالا من الحكومات التي يشهرون بوجهها سيوفهم، تحت شعار «الدفاع عن الحريات العامة «وحقوق الانسان ؟
أخشى أن أقول : إن مصيرنا، عندئذ، -نحن الكتاب والصحفيين والناشطين السياسيين المعارضين - لمجرد أن تجرأنا على معارضتهم، سيكون معلقا بقرار إحالة أوراقنا إلى المفتي العام، باعتبارنا مرتدين أو خوارج ( لا فرق)، وليس للمدعي العام، كما تفعل، أحيانا، بعض الإدارات العامة.
‏خسارة أن نترك المجال الديني فارغا فيملأه هؤلاء، ثم يستفردوا به وبنا، خسارة ان لا يجد هذا الدين العظيم، في هذا الزمن، من يمثله إلا هؤلاء الذين يرفعون المصحف بوجوه من ينتقد أخطاءهم، خسارة إن يحتشدوا للدفاع عن إطارهم الضيق اكثر مما يحتشدون للدفاع عن قضايا الاردنيين وهمومهم.
خسارة، ايضا، أن يقف معظمنا مكتوفي الأيدي أمام سطوة اساءتهم وتخويفهم لنا باسم الله، فلا نواجههم بحقيقتهم، ونقول لهم : أنتم مثلنا بشر، تخطئون وتصيبون، لا تمثلون إلا أنفسكم، نعرفكم لا تخشون الا على مصالحكم، جربناكم في أزمات كثيرة، فانسحبتم، ثم ركبتم موجة مشاعرنا الدينية النبيلة، وحين وصلتم، شاركتم بكل ما حل بنا من كوارث.
‏لا يتعلم هؤلاء، للأسف، من تجاربهم، ولا يجيدون إلا منطق الإقصاء والاستعداء، فيكسبون المزيد من الخصوم، حتى من اقرب الناس اليهم، ممن انفض عنهم، بعد ان كانوا يتشاركون معهم المسار العام، والهم العام.
لقد انكشفوا، بعد أن رحل العقلاء الكبار، الذين كانوا يعرفون قيمة الرسالة والدعوة ومصلحة البلد، واستولى على المشهد «هواة»، يتقافزون على المسرح، ولا يتحدثون إلا بمنطق المزاودة والشماتة وتوزيع الاتهامات، إذا خاصمتهم او انتقدتهم فجروا، وإذا دعوتهم للحوار استهزؤوا، وإذا صمتّ ولم ترد، استضعفوك، ظنا إنك تخافهم وتخشى ألسنتهم، واذا اختلفت معهم قذفوك بحجارتهم، وكأنك اصبحت من المجرمين.
شتان بين أخلاق الدين وأخلاق بعض المتدينين.
مدار الساعة (الدستور الاردنية) ـ