أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للأردنيين أحزاب رياضة مقالات أسرار ومجالس مقالات مختارة تبليغات قضائية مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

سيادة القانون - الحل الجذري


المحامي الدكتور يزن دخل الله حدادين

سيادة القانون - الحل الجذري

مدار الساعة ـ
تلاحظ لدي في الآونة الأخيرة تزايد الحديث في الشأن الديني في الأردن من خلال نشر مقالات في الصحف المحلية أو منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي المختلفة- مع إحترامي وتقديري للجميع-. لا خلاف أنه هنالك حاجة ملحة للحوار بين مختلف الأديان، وتعزيز التفاهم المتبادل والانسجام، ولكن المُلفت للإنتباه أنه في بعض الأحيان تكون المجاملات في تلك المنشورات على حساب الحقيقة وحساب الواقع وحساب الدين، وفي أغلب الأحيان يكون ذلك بحسن النية، إلاّ أن تلك المجاملات تُسبب في بعض الأحيان أزمات حوارية على أقل تقدير. وما لفت انتباهي أيضاً هو التّطرق إلى رجال الدين وانتقاد دورهم في المجتمع دون الإلتفات الى دورهم المحوري في تشكيل أنماط الوعي السائدة على امتداد العالم.
عند الحديث بشأن قد يكون نوعاً ما غريب عن تاريخنا الإجتماعي في الأردن وأخص هنا المواضيع التي تتعلق بالنسيج الديني، فلا بد من التأكيد والتذكير أننا، في المملكة الأردنية الهاشمية، دولة قانون، والقانون كفيل بحماية حقوق المواطنين الأردنيين جميعاً لا بل حماية كل من يقطن على الأرض الأردنية. أما المرجع الأساسي فهو الدستور الأردني الذي يكفل المساواة بين الأردنين جميعاً حيث جاء في المادة السادسة منه "1.الأردنيون أمام القانون سواء لا تمييز بينهم فـي الحقوق والواجبات وإن اختلفوا فـي العرق أو اللغة أو الدين". ومن هذا المُنطَلَق يجب أن تنتهي الحاجة لأي مجاملات أو جدالات، ومن لديه الحق بشأن ما، فله أن يلجأ إلى القانون، ومن عليه الحق يجب أن يُحال إلى القضاء الأردني العادل. هذا ما يسمى بسيادة القانون.
وفي ذات السياق فقد ورد في الورقة النقاشية السادسة المخطوطة بقلم جلالة الملك عبدالله الثاني ابن الحسين والمؤرخة 16 تشرين الأول 2016 ما يلي: "بغض النظر عن المكانة أو الرتبة أو العائلة، فإن مبدأ سيادة القانون لا يمكن أن يمارس بانتقائية". وقد أضاف بذات الورقة قائلاً: "وعندما ننظر إلى مجتمعاتنا العربية نجد أنها تتكون من منظومة معقدة من الانتماءات الدينية والمذهبية والعرقية والقبلية. ولهذا التنوع أن يكون مصدراً للازدهار الثقافي والاجتماعي والتعدد السياسي، ورافداً للاقتصاد، أو أن يكون شعلة للفتنة والعنصرية والنزاعات. إن ما يفصل بين هذين الواقعين هو وجود أو غياب سيادة القانون.". وأكمل حديثة بفقرة أخرى من تلك الورقة قائلاً: "إن شعور أي مواطن في مجتمعنا بالخوف والظلم لأنه ينتمي إلى أقلية، يضعنا جميعاً أمام واقع يستند إلى أساس مهزوز. ومن هنا، فإن ضمان حقوق الأقلية متطلب لضمان حقوق الأغلبية. كل مواطن لديه حقوق راسخة يجب أن تُصان؛ وسيادة القانون هي الضمان لهذه الحقوق والأداة المثلى لتعزيز العدالة الاجتماعية".
ويُستخلص من كلام سيد البلاد أن تعزيز سيادة القانون هو الضامن الأساسي لتحقيق واستدامة التقدم والازدهار ولحماية جميع المواطنين من شتى المنابت والأصول وبمختلف انتماءاتهم دون التمييز بينهم. وهذا طلب شخصي من جلالته إلى جميع المواطنين حيث قال: "وأطلب من كل مواطن أن يعبر عن حبه لبلدنا العزيز من خلال احترامه لقوانينه، وأن يكون عهدنا بأن يكون مبدأ سيادة القانون الأساس في سلوكنا وتصرفاتنا".
وفي سياق مشابه فقد ورد من قداسة بابا الفاتيكان فرنسيس (وهو أسقف روما ورأس الكنيسة الكاثوليكية في العالم لأكثر من 1.3 مليار كاثوليكي) في كلمة ألقاها في مدينة باري بأسيزي الإيطالية بتاريخ 7 تموز 2018 أن الوجود المسيحي الأصيل الذي مبتغاه العيش المشترك والحوار المتبادل النزيه مع المسلمين، هو بحدّ ذاته رسالة. وأن الكنيسة الجامعة توصينا دائماً بمواصلة الحوار، وأن عيشنا المشترك ما هو إلاّ رسالة حوار وقبول الآخر لإدراك ما هي القواسم المشتركة الكبيرة التي تجمعنا، لنكون علامة استقرار وازدهار في تحقيق العدالة.
وهذا يُعزّز واجب رجال الدين حيث أنه، ومن وجهة نظري، يجب عدم اختزال دورهم على الإرشاد الديني والروحي دون مرجعية لهذا الرأي، لأن دور رجال الدين يمتد (كما كان تاريخياً ومازال) إلى جميع نواحي الحياة ومنها ما يتعلق بالاحوال الشخصية، والأمور المجتمعية والثقافية والإنسانية، بل أنهم الحجر الأساس بكل ما يخص رعيتهم. كما أنه مما لا شك فيه أن قواعد القانون في مراحل نشأتها الأولى، في معظم دول العالم، قد اختلطت بقواعد الدين والأخلاق.
فكما قال السيد المسيح لبطرس الرسول: "أنت الصخرة وعلى هذه الصخرة سأبني كنيستي" (متى 16: 17). واذا أخذنا العبرة والجوهر من هذه الآية وليس الحرف سنجد أن الكنيسة معنية بالتشريع الديني وبتنظيم شؤون الرعية وذلك نزولاً لرسالة السيد المسيح. ومن هذا المُنطلق فإن رأي الكنيسة هو مُلزم على أبناء الرعية في حال صدوره من أصحاب الإختصاص والقرار.
أما على الصعيد الرسمي الأردني فيما يخص شؤون المسيحيين في الدولة، فقد قرر مجلس الوزراء بـتاريخ 21 كانون الثاني 2009 اعتبار مجلس رؤساء الكنائس في الأردن الجهة المرجعية للحكومة في كل ما يتعلق بالشؤون المسيحية. وهذا القرار لا يعني اختزال تمثيل المسيحيين من قِبل رجال الدين، ولكنه تنظيم لشؤونهم، ولا يمنع الغير من ممارسة حقوقه ونشاطاته ضمن حدود القانون والطُرق المشروعة.
ختاماً، إن ما تم سرده هنا يُمثّل رأيي الشخصي، ولا أقصد به الإشارة لا من قريب ولا من بعيد لأي شخص بذاته أو بصفته، ولا أقصد تأييد أو معارضة أي نشاط قام به أي شخص. إن المبتغى هنا هو الدعوة للإلتفاف حول القانون وتعزيز سيادة القانون وأن يكونا على رأس أولوياتنا كمواطنين أردنيين وحكومة أردنية ومجلس نواب أردني، كلٌّ بحسب موقعه، في ظل قيادة جلالة سيدنا الملك عبدالله الثاني ابن الحسين.
مدار الساعة ـ