أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات وفيات جامعات برلمانيات رياضة أحزاب وظائف للأردنيين مقالات مقالات مختارة أسرار ومجالس تبليغات قضائية جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الهرولة إلى الصين


م. مهند عباس حدادين
خبير ومحلل استراتيجي في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا

الهرولة إلى الصين

م. مهند عباس حدادين
م. مهند عباس حدادين
خبير ومحلل استراتيجي في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا
مدار الساعة ـ
هذا السحر الصيني الذي سيطر على العالم هذا العام لتضميد جراحه وحل مشاكله المستعصية, هل هو نجاعة الطريقة الصينية في التداوي بعد فشل غُرف العمليات الطبية في الغرب؟ هذا ما سنناقشه في هذه المقالة من تحليل سياسي وإقتصادي لما يدور الآن في كواليس السياسة العالمية.
بعد نجاح الدبلوماسية الصينية في الشرق الأوسط وجمعها لقطبي النزاع السعودي والإيراني على مائدة واحدة في بكين ,عملت الصين على سد الفراغ الذي تركته الولايات المتحدة في الشرق الأوسط, حيث أطفأت الصين النار المستعرة في منطقة كانت على شفير حرب إقليمية وأعادت حسابات وتوازنات المنطقة الإقتصادية والسياسية والعسكرية لمستقبل واعد للجميع,فهذا الفراغ لم يكن ليحدث لولا إنشغال الولايات المتحدة بالحرب الروسية- الأوكرانية وترتيب أولوياتها بذلك.
قبل أشهر قليلة كاد أن يتشكل حلف ناتو شرق أوسطي في منطقة الشرق الأوسط يؤدي إلى حرب قد تكون مدمرة لا غالب فيها أو مغلوب, لكن خوف الولايات المتحدة من المارد الصيني جعل التفكير بأن الحلف الجديد يجب أن يكون على مقرُبة من عدوها اللدود الصين لردعها عن إحتلال تايوان, ضمن أولويات الولايات المتحدة بعد الحرب في أوكرانيا, فكان التركيز على إنشاء تحالف قوي شرق آسيا , سميته بمقالتي السابقة" حلف ناتو جديد شرق آسيا".
إن إستغلال الصين للإرتباك في سياسة الولايات المتحدة جعلها على الفور أن تسد الفراغ في منطقة الشرق الأوسط وأثبتت للعالم نجاحها بذلك بزمن قياسي, منذ زيارة الرئيس الصيني شي جين بينغ للسعودية وعقده فيها القمم الثلاثة التاريخية في شهر كانون الأول من العام الماضي ,وتُوجت بذلك بالمصالحة السعودية – الإيرانية . فما حققته الصين عجزت عن تحقيقه جميع الدول المنافسة لها, لقد ضمنت العبور الآمن بتجارتها لآسيا ولأفريقيا, وضمان حصولها الآمن على مصادر الطاقة في المستقبل من نفط وغاز من تلك المنطقة. في المقابل ستنعم دول الشرق الأوسط وعلى رأسها السعودية وإيران بإزدهار إقتصادي لطالما حُرمتا منه لسنوات طويلة نتيجة التوترات السياسية وسباق التسلح وخصوصاً الحرب اليمنية التي إستنزفت الموازنات المالية لدول الخليج وإيران,ناهيك عن ما ستحقق هذه المصالحة من إستقرار سياسي وإقتصادي في حال إنضمامهما لمنظمة شنغهاي للتعاون الدولي ولمجموعة بريكس التي تُعتبر الصين العضو الأبرز فيهما.
إذن بإعتقادي أن الولايات المتحدة خسرت حلفائها في الشرق الأوسط , أو على أقل تقدير أصبحوا أولئك الحلفاء يقفون على نفس المسافة من الولايات المتحدة والصين دون تفضيل أحد على الآخر , فأصبحت مصلحة دول الشرق الأوسط لا تتلاقى كثيراً مع مصالح الولايات المتحدة وهذا له ثمن سياسي وإقتصادي.
وعلى الجانب الآخر أدرك الأوروبيون بأنهم لن يكونوا وقوداً للحرب الروسية – الأوكرانية , فما أن قام الرئيس الصيني بعد إنتخابه للرئاسة الصينية للفترة الثالثة بزيارة لروسيا وإطلاقه لمبادرة السلام من 12 بند,حتى إلتقطتها الدول الأوروبية ومعهم الأوكرانيين الذين سيصبحوا بلا وجود إذا إستمرت حربهم مع روسيا, حيث دعا الرئيس الأوكراني زيلينسكي الرئيس الصيني لزيارة أوكرانيا قبل يومين, في حين يستعد كل من الرئيس الفرنسي ماكرون ورئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين لزيارة الصين بعد أيام, لمناقشة خطة السلام الصينية وكيفية التلاقي معها,وسبق ذلك كلمة أورسولا في بروكسل أمام المركز الأوروبي للدراسات الصينية تلك الكلمة ذات السقف العالي من الإنتقادات للصين ,كان ذلك لمحاولة إنجاح زيارتها للصين وتبيان الموقف الأوروبي للحليفة الرئيسية في حلف الناتو وهي الولايات المتحدة بأن الأوروبيين لا زالوا بصف الولايات المتحدة , في حين هناك الكثير من الهموم والقلق يساور القادة الأوروبيين من ضغط الشارع الأوروبي وتداعيات الحرب الروسية- الأوكرانية على حياه الشعوب الأوروبية.
فهل سيستمر السحر الصيني ويؤثر على القادة الأوروبيين في الصين, بدفعهم على قبول مبادرة سلام لإنهاء الحرب الروسية- الأوكرانية والجلوس على طاولة المفاوضات؟ في ظل إنشغال الولايات المتحدة بمحاكمة الرئيس السابق ترامب عن طريق توجيه لوائح الإتهام له يوم الثلاثاء القادم, وبالتالي إقصائه عن إنتخابات عام 2024, وهل سيتم بعدها القبول بالرئيس الحالي بايدن لولاية جديدة أم سيتم إقصائه أيضاً ؟ كل ذلك سيشغل الولايات المتحدة عن سياستها الخارجية وخصوصاً الحرب الروسية- الأوكرانية وإن أي قرارات حاسمة تُتخَذ ستؤجَل لحين حسم الإنتخابات الرئاسية للولايات المتحدة ومعرفة الرئيس القادم.
الخبير الإستراتيجي في مجال السياسة والإقتصاد والتكنولوجيا
م.مهند عباس حدادين
mhaddadin@jobkins.com
مدار الساعة ـ