تدور حاليا أحاديث واجتهادات حول ديوان المحاسبة ودوره ومهامه وارتباطه وحول التقارير السنوية التي يعدها الديوان وما تتضمنه من مخالفات وملاحظات. ولهذا، أود أن أورد بعض الإضاءات على الخطوط العريضة لهذا الدور الرقابي العام والهام.
التركيز على القضايا الجوهرية والاستراتيجية حسب الأهمية والأثر والخطورة. ويكون التدقيق على مستويين، أولا على مستوى الحكومة ككل وثانيا على مستوى الأجهزة الحكومية وتزويد رئيس الوزارء بأي خلل او ملاحظات لمعالجتها.
الرقابة على الهيكل العام للموازنة وتنفيذها بشقيها الإيرادات والنفقات والأداء العام لها ومواطن الخلل والمخالفات والملاحظات "التشوهات" وفواتير المعالجات الطبية والصناديق بالإضافة إلى صناديق التقاعد النقابية وما في حكمها.
تفعيل الرقابة الادارية ومدى تطبيق القرارات والأنظمة النافذة ودرجة الالتزام بها لما لذلك من أثر مالي سواء ايرادات ضائعة أو نفقات مهدورة. وتفعيل الرقابة على الأداء العام في غاية الضرورة، فتخصيص الموازنات يتطلب تحقيق الأهداف ومستوياتها المستهدفة من خلال مؤشرات أداء محددة.
متابعة الأداء الحكومي في مجال تحقيق اهداف التنمية المستدامة الصادرة عن الأمم المتحدة وأبرز المؤشرات الدولية التي تصدر عن جهات دولية متخصصة مثل البنك الدولي والمنتدى الاقتصادي العالمي. هذا بالإضافة إلى متابعة تنفيذ خطط التحديث الوطني بمساراتها الاقتصادية والادارية وتقارير التقييم الخاصة بها.
حتى يتسنى للديوان التدقيق على المهام المتعلقة بالشؤون الإدارية والمالية والشراء واللوازم وبقية الخدمات المساندة (أي مهام خارج نطاق الدور والاختصاص الدستوري) في السلطتين التشريعية والقضائية، لابد من أن تتولى الوزارة المعنية هذه المهام وأن يتبع الموظفون القائمين عليها للوزارة المعنية. وفي هذه الحالة، وزارة المعنية بالشؤؤون البرلمانية فيما يتعلق بمجلس الأمة بشقيه الأعيان والنواب ووزارة العدل فيما يتعلق بالسلطة القضائية والمحكمة الدستورية. وفي هذا الطرح، تحصين للسلطات وتكريس لتركيزها على مهامها الدستورية.
يعتبر الديوان ذراعا رقابيا على الشركات المملوكة للحكومة وللمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي. ولهذا، لابد من تفعيل عمليات المتابعة والتقييم وفق أسس علمية ومهنية على هذه الشركات وخططها وموازناتها ونتائج أعمالها ومجالس إداراتها وعضوياتها وقراراتها والامتيازات وما الى ذلك.
ولا بد من الإشارة إلى إن زيادة حجم التقرير السنوي وعدد صفحاته لا تمثل بالضرورة مؤشرا إيجابيا على أداء الديوان، وربما بالعكس لأن دور الديوان ليس مجرد الكشف عن المخالفات والأخطاء فقط، بل الوقاية منها والحيلولة دون وقوعها. وإذا وقعت المخالفات والأخطاء، فالأمر يتطلب معالجتها بأسرع وقت قبل استفحالها وتضاعف آثارها وتأثيراتها. الموضوع ليس تصيدا أو كشفا أو حصرا للأخطاء بقدر ما هو منع حدوث الأخطاء والمخالفات ومعالجتها إن وقعت. وبالتالي ما يوضع في التقرير هو فقط ما يصل الى طريق مسدود بعد استنفاد الحلول مع الجهة ذات العلاقة بالمخالفة ومرجعياتها بالتدرج وصولا إلى رئيس الوزراء.
تعزيز ضمان جودة التدقيق على المواضيع الفنية المتخصصة من خلال فرق عمل متمكنة وتنفيذ جولات تدقيقية دورية ومفاجئة للتفتيش على مستوى جودة تدقيق المديريات الرقابية المختلفة.
يشكل الديوان بيت خبرة يقوم بالتأشير لرئيس الوزراء والحكومة بشكل عام على مواطن الخلل بهدف معالجتها أو فرص التطوير بهدف الأخذ بها، وهو بمثابة عين فاحصة دقيقة عامة ودائمة لرئيس الوزراء على المؤسسات فيما يتعلق باختصاص الديوان.
يتطلب النجاح في تنفيذ مهام الديوان فهما تاما ومحترفا لطبيعة دور الحكومة ووزاراتها ودوائرها ومؤسساتها وهيكيلتها والتشريعات الناظمة لعملها، أما الفهم المجرد لأعمال التدقيق والاستشارات المالية بمعزل عن المعرفة الكاملة بطبيعة المهام الحكومية لا يقدم شيئا على الاطلاق ولا يضمن أي نجاح يذكر. وتجدر الإشارة إلى أنه لايجوز أن تتبع أي مؤسسة لأي سلطة عدا السلطة التنفيذية. وعليه، فمرجعية الديوان ورئيسه مجلس الوزراء ورئيس الوزراء وليس مجلس النواب.
خلاصة الرأي، أن أداء الدولة هو محصلة أداء سلطاتها، وكفاءة وفعالية أداء الأجهزة الرقابية تسهم بشكل كبير في تعزيز أداء السلطة التنفيذية وبالتالي فقوة ديوان المحاسبة ضرورة قصوى ومصلحة حكومية بالدرجة الأولى.