فيما تتواصل الأزمات التي تعصف بلبنان على أكثر من صعيد, معيشي واقتصادي, نقدي ومالي, أمني وخدمي وانهيار كارثي للعملة الوطنية, فضلاً عن غياب أي أفق أو توافق على انتخاب رئيس جديد للجمهورية. خاصة في ظل «فيتو» هذه العاصمة الإقليمية أو تلك الدولية, على مُرشّح مُحتمل أو أكثر لشغل هذا المنصب الشاغر منذ 31/10/2022, وسط إتهامات مُتبادلة تقوم بها أطراف «الصيغة/اللعبة» المُستمرة منذ استقلال هذا البلد عام 1946, (دعك من حكاية «لبنان الكبير», الذي تزعم أطراف معروفة, في إطار مساعيها للبروز كأنها وحدها صاحبة الفضل في قيامه)?
نقول: وسط هذه الأزمات المُتدحرجة وتلهّي «نُخبِه» السياسية والحزبية والروحية (من أسف) بتحميل الأطراف المنافسة (حدود العِداء) مسؤولية الشغور المتواصل في منصب رئيس الجمهورية, فضلاً عن محاولات البعض إعتبار الموقع الرئاسي شأناً «مسيحياً» خالصاً وليس شأناً لبنانياً وطنياً كما كل المواقع الأخرى. يعيش لبنان حالاً من التوتر والانقسامات الأفقية والعامودية, التي أخذ مستفيدون منها على عاتقهم مهمة تأجيج البعد الطائفي في تفسيرها، منذ إعلان رئيس حكومة تصريف الأعمال/نجيب مقياتي «تأخير» العمل بالتوقيت الصيفي الذي كان مُقرّ?راً ليل 25/26 آذار الجاري لأسباب تتعلق بحلول شهر رمضان، ما أثار عاصفة من الرفض والاحتجاجات وسيل لم يتوقف من الاتهامات, باعتبار ذلك القرار الذي اتخذه ميقاتي (وليس مجلس الوزراء مجتمعاً) يُحابي طائفة لبنانية على حساب أخرى, فضلاً عن كونه اخلالاً بصيغة العيش المشترك وإسهاماً في إشاعة «فوضى توقيت», في الأعمال والإلتزام الوظيفي والأكاديمي وخصوصاً تأثيره على ارتباطات لبنان الخارجية وحركة الطيران وعمل البنوك.
المثير واللافت وخصوصاً المؤسف في ما حدث منذ أربعة أيام, هو ارتفاع منسوب البعد الطائفي حيث برز الانقسام المسيحي - الإسلامي فوراً، سارعَ الانعزاليون إلى الاستثمار فيه عبر ضخ شعارات وتصريحات تستعيد أجواء الحرب الأهلية, وتستدعي خطاب اللامركزية الإدارية والمالية وخصوصاً التبشير بالفيدرالية. إذ أعلن بعضهم وهو بالمناسبة «نائب في البرلمان عن حزب جعجع»: لكم لبنانكم ولنا لبناننا. فيما «غرّد: » آخر «لكم توقيتكم ولنا توقيتنا»، ولم يتورّع غيرهما عن القول: إننا سنعتمد «توقيتنا وليس توقيت المتخلفين». ولم يجد هؤلاء مَن ير?عهم أو ينتقد خطابهم، بل تولى سمير جعجع أحد أبرز الرموز الانعزالية وخصوصاً أحد «أبطال» الحرب الأهلية, مهمة رفض هذا القرار, والقول: إننا لن نلتزمه وسنضبط ساعاتنا على «التوقيت العالمي».
في غمرة أزمة «كهذه» تضاف إلى سلسلة الأزمات التي لا تنتهي في بلاد الأرز المنكوبة بزعاماتها السياسية والحزبية ومرجعياتها الطائفية والمذهبية، لا يجد اللبنانيون فرصة أو أملاً في وقف حال الانهيار المتسارعة في بنى الدولة اللبنانية, وغياب أي حلول ولو جزئية تنتشلهم من فقرهم وعوزهم وافتقارهم إلى الخدمات الأساسية من مياه وكهرباء, بل الاتصالات التي تُؤمنها شركتا «الخليوي»، بعد تدهور خدماتهما وعجزهما عن صيانة مرافقهما وبناهما التحتية, فضلاً عن تسعير «كل شيء» بالدولار الأميركي الذي تجاوز سعر صرفه الـ«140» ألف ليرة, في ?ين لم يكن تجاوز في العام 2019 الـ"1515"ليرة.
من السابق لأوانه الحديث عن إمكانية رأب الصدع الخطير الذي حدث بعد ردود الأفعال المتشنجة على قرار تأجيل العمل بالتوقيت الصيفي، حتى بعد اجتماع مجلس الوزراء الذي كان مُقرراً ظهر أمس (المقالة كتبت قبل اجتماع المجلس)، خاصة أن رئيس الحكومة الذي أخذ على عاتقه إصدار القرار, كان هدّد بالـ«الاعتكاف», رغم أن هناك سوابق مماثة حدثت إذ كان صدر قرار أواخر ثمانينيات القرن الماضي في عهد رئيس الحكومة الأسبق/سليم الحص, كذلك قرار رئيس الحكومة العسكرية وقتذاك/الجنرال ميشال عون, بتأخير العمل بالتوقيت الصيفي «مُراعاة» لشهر رمضان,?ناهيك عن قرار اتخذه العميل سعد حداد،قائد ما وُصفَ «جيش لبنان الجنوبي» أوائل الثمانينيات،بوقف العمل بالتوقيت الصيفي, واتباع توقيت «إسرائيل» التي كانت وقتذاك لم ولا تعمل إطلاقاً بالتوقيت الصيفي, الذي كان مثار جدل مرير ونقطة نزاع بين المُتديّنين والعلمانيين.
في السطر الأخير.. ثمّة مستفيدون من حال الاستقطاب الحاد الذي خلّفه الاصطفاف الطائفي بشأن تأخير العمل بالتوقيت الصيفي. خاصة أن هناك في «القيادات الروحية» مَن وجد فيه فرصة لاستعادة بعض البريق الذي فَقدَه. ويبدو أن الاستحقاق «الرئاسي» سيكون هو الآخر أحد ضحايا هذا الاستقطاب.. أقلّه «إطالة» الشغور الرئاسي.