كنت من الأشخاص الّذين يرون أن تحقيق رؤية التحديث الاقتصاديّ لتشغيل سنويّ بحجم 100 ألف وظيفة خلال العام أمر في غاية الصعوبة والاستحالة في ضوء معدّلات النموّ المستهدفة، والمسألة قد تكون بحاجة لمعجزة لتحقيق هذا.
لكنّ الأمر اختلف كثيراً، وأنا أدقّق في بعض الأرقام الصادرة عن الضمان الاجتماعيّ، والّتي سيكون لها نصيب وافر من التحليل في الأيّام المقبلة لتسليط الضوء عليها، وعلى أبعادها المختلفة.
حوالي 80 ألف شخص دخلوا تحت مظلّة الضمان الاجتماعيّ خلال عام 2022، وهو رقم إيجابيّ كبير له مدلولات مهمّة تستحقّ الوقوف عليها، فهناك 10 آلاف من أصل الرقم الإجماليّ (80 ألفا) هم من القطاع العامّ، وهذه وظائف وفّرتها الحكومة غالبيّتها كانت في قطاعي الصحّة والتعليم.
الرقم الأهمّ من المنضمّين الجدد للضمان هم من القطاع الخاصّ وبحجم بلغ (44 ألف) منتسب للضمان، وهذا له دلائل كبيرة، أي أن القطاع الخاصّ ما يزال يملك القدرة التوظيفيّة الكبرى في الاقتصاد، وهو ما يستدعي التدخّل الحكوميّ الإيجابيّ لمواصلة كيفيّة تحفيزه وتوسيع أنشطته الإنتاجيّة والاستثماريّة.
الأرقام المتبقّية من المنتسبين الجدد للضمان (80 ألفا) موزّعة ما بين ضمان اختياريّ بحجم (12 ألفا)، والآخر هو الشمول الحرّ بحجم (14 ألف) مشترك جديد، وهذا تطوّر إيجابيّ كبير، لأنّه يتعلّق بانضمام قطاعات جديدة لم تكن في السابق منضمّة لمظلّة الضمان، رغم اشتغالها بأعمال مختلفة مثل الأدلاء السياحيّين والسائقين وبعض المهن الحرفيّة.
ما يهمّنا فيما يتعلّق باستحداث فرص العمل الجديدة الّتي خلقت في الاقتصاد الوطنيّ العام الماضي هو ما تمّ في القطاعين العامّ والخاصّ، حيث أنّهما، مجتمعين، خلقا ما يقارب 54 ألف فرصة عمل في سنة 2022، وهي أرقام أعلى من الاعتقاد السائد بأنّ الاقتصاد بشقّيه العامّ والخاصّ لم يستطع توظيف أكثر 25 ألف شخص خلال العام الماضي، والأهمّيّة في ذلك أن معدّلات التوظيف الّتي تحقّقت كانت في ظلّ نسب نموّ متواضعة (2.3 %)، فكيف الحال لو تضاعفت معدّلات النموّ ووصلت لمستويات قريبة من (5 %)، لا شك في أن معدّلات التوظيف سترتفع وستتضاعف وستقترب كثيراً من النسب المستهدفة في رؤية التحديث الاقتصاديّ والبالغة 100 وظيفة بالعام، وعلى مدار 10 سنوات.
هذا يقودنا للحديث عن كيفيّة النهوض بالجهود الرسميّة الّتي تقودها وزارة العمل، والّتي تستحقّ التقدير باتّجاه عمليّات التوظيف والتشغيل، لكنّ الأمر ليس مناطاً بوزارة العمل بقدر ما هو جهد جماعيّ من مسؤوليّة الحكومة ومؤسّساتها لمواجهة هذا التحدّي الخطير.
بقاء معدّلات النموّ عند حدود الـ 2.5 % واقع مرير وتكريس لمزيد من صفوف المتعطّلين عن العمل وارتفاع جديد على معدّلات البطالة، فالأرقام مرعبة للغاية في هذا الصدد، فمن يصدّق أنّ عدد الخرّيجين الداخلين لسوق العمل سنويّاً يبلغ حوالي 158 ألف خرّيج منهم 75 ألفاً قد رسبوا في الثانويّة العامّة، و56 ألف خرّيج من الجامعات من حملة شهادات البكالوريوس، في حين لا يتجاوز عدد خرّيجي التدريب والتعليم المهنيّ 12 ألف خرّيج فقط لا غير.
الأرقام السابقة تستدعي من الحكومة أن تجعل اليوم تقليل معدّلات البطالة هدفاً لا يقلّ في أهمّيّته في سياساتها عن هدف الحدّ من عجز الموازنة، وبالتالي المطلوب اليوم إيجاد سياسات تشغيليّة مبتكرة لاستيعاب جزء من أعداد الخرّيجين الهائلة إلى سوق العمل.
الأمر يحتاج إلى تنسيق مسبق ومحكم مع القطاع الخاصّ، لأنّه هو المشغل الأساسيّ للقوى العاملة، مع أصحاب منظومة حوافز وتسهيلات تمنح للقطاع الخاصّ والمستثمرين من أجل تشغيل الأردنيّين، أيّ حوافز مقابل التشغيل، كما هو معمول به في الكثير من دول العالم الّتي تعاني من مشكلة تفاقم البطالة، والّتي تهدّد استقرار وأمن أيّ مجتمع.
الأرقام السابقة في الضمان، ومشتركيه هي أرقام مبشّرة تعطي فرصة أمل وروحا جديدة للعمل الحكوميّ وبتشاركيّة عالية نحو تحقيق هدف واحد ومحدّد وهو محاربة البطالة وتقليل مستوياتها الخطيرة والعودة لبرّ الأمان.