مشكلتنا الأساسية في الأردن ليست مشكلة اقتصاد، بالدرجة الأولى ،رغم ثقل مانعانيه اقتصاديا، فنحن دولة فقيرة محدودة الموارد ،رافقتها المديونية منذ لحظة تاسيسها،ومع ذلك بنت وانجزت وحققت الكثير ،حتى صارت في مرحلة من المراحل نموذجا يحتذى،وصارت تصدر كفاءات وخبرات ،ساهمت في بناء الكثير من الدول .
ومشكلتنا في الأردن ليست مشكلة دبلوماسية ،فقد بنى لنا أصحاب الجلالة ملوك الاردن مكانة دبلوماسية جعلت لنا دورا ومكانة إقليمية ودولية اكبر بكثير من حجمنا الجغرافي. ومشكلتنا في الأردن أيضا ليست مشكلة نقص في الاستراتيجيات والخطط والبرامج والمبادرات،فادراج مؤسسات الدولة مترعة بها. ومشكلتنا في الأردن ليست في التحديات الخارجية،فنحن دولة ولدت في نيران التحديات الخارجية ،فمنذ لحظة التاسيس الاولى نشب الصراع بيننا وبين المشروع الصهيوني ، فقد كان غلاة الصهاينة يعتبرون الاردن جزء من وطنهم القومي،وبالتالي جزء من وعد بلفور وهذا تحد رافق الدولة الأردنية حتى يومنا هذا،كما خاض الاردن كل معارك فلسطين ،حتى قبل حرب(١٩٤٨). لم تقتصر التحديات الخارجية التي واجهتها الأردن على التحدي الصهيوني،فلم تخلو حقبة من حقب المئوية الاولى تاريخ الدولة الأردنية الا وواجهت فيه تحد أو مؤامرة أو أزمة كان يفتعلها جار من الجيران ،ومع ذلك ورغم كل التحديات الخارجية بنى الاردن وتطور. إذن ماهي مشكلة الأردن التي بسببها صرنا نشكو من تراجع في كل المجالات والقطاعات ؟الاجابة على هذا السؤال تحتاج إلى مصارحة مع النفس ،ومصارحة بين الأردنيين جميعا،نعترف من خلالها أن الإنسان الأردني قد تغير كثيرا بسبب التغير الذي طرئ على ثقافته، فقد كانت ثقافة المؤسسين ثقافة عمل وانتاج،فصارت ثقافتنا تقافة اتكالية واستهلاك ،وكان لدى الاباء والأجداد من الأردنيين إلى عهد قريب رؤى واحلام حققوا الكثير منها بالإرادة، وبعدم الاستسلام للتحديات والعقبات، وبعدم التذرع بقلة الإمكانيات ، بل إن التحديات التي واجهتها حولت الكثيرين منهم إلى قادة في مختلف المجالات ، لذلك كانت لدينا إدارة عامة متميزة،وكان لدينا تعليم ممتميز ،وصرنا محجا للاستشفاء بفضل خدماتنا الصحية،وعندما صرنا نفتقر في كل المجالات للقيادات الحالمة ترجع كل شئ،واخطر ماتراجع هو مفهومنا للوطن فقد صار الوطن عند الكثيرين مجرد غنيمة يبحث عن حصته منها،او مجرد جواز سفر يسهل لهم الحركة ، لذلك فإن مشكلتنا هي مشكلة ثقافة ومفاهيم.