الكثير من المشاهير والرياديين والمحاضرين في العالم أجمع يحدثوننا دائما وبعضهم يعقد الدورات المتخصصة عن علم تطوير الذات والثقة بالنفس، وضرورة ضبط المشاعر ، وتطويرها في إتجاه إيجابي بحيث يضمن الشخص حسب رأيهم التحسن في جميع المجالات، بحيث ينعكس ذلك على العمل والمال والعلاقات الاجتماعية
الملفت للنظر عند التعمق في هذا المجال ومشاهدة الكثير من المحاضرات أو الفيديوهات المتخصصة فيه أو مجرد الإطلاع على نظريات وكتب هؤلاء المتخصصين أن هناك رابط وحيد يجمع بين الجميع كنقطة بداية مهمة ورئيسية، وهي النفس والتحدث معها بإسهاب والجلوس الهادىء معها
يفتقر معضمنا الى الحديث والجلوس مع نفسه، فجلّنا تأخذه ساعات اليوم ومعترك الحياة ومتطلباتها والعمل والعائلة، ليكتشف في نهاية المطاف أنه فقير إلى هذا السكون، ولا يعلم أصلاً عن مدى أهمية هذا الحديث البسيط، والذي لا يكلف الإنسان سوى تفريغ نفسه في أي وقت يناسب شخصه ليجلس معها في محاولة لإيجاد السكون النفسي ومراجعة الذات والتفكير فيما مضى في كل شيء وفيما سيكون في محاولة متواضعة للتخطيط فيما سيكون ولو على المدى القصير واليومي
قد يقول البعض أننا نتحدث مع أنفسنا باستمرار وفي كل لحظة، وقبل كل عمل أو قول نُقدم عليه، في الحقيقة ليس الجميع يقوم بذلك ولا يتوفر ترف التخطيط والوقت الكافي للجميع خصوصا في لحظات القرار اللحظي أو في نوبات الضغط النفسي و ضغط العمل، ولا يُعتبر الحديث مع النفس عندما نضع رؤوسنا مُقبلين على النوم من ضمن الحديث الذي نعنيه مع النفس، رغم ان هنالك مقوله تتحدث عن أن "أصدق المشاعر هي تلك التي تُهاجمك قبل النوم! وصحيح أنها حديث مع النفس ولكنها لا تعدو أن تكون مجرد بداية تعطيك ما الذي يجب عليك أن تتحدث فيه بإسهاب مع نفسك
الكثير من النظريات والكتب وحتى الاديان قبل ذلك تحدثت عن ذلك، مثل عبادة اليوغا الهندوسية والبوذية لكن وبكل صراحة لم يلفت نظري سوى نظرية خوسيه سيلفا وهو كاتب امريكي قام بتطوير نظريته عام 1944 والتي تركز على زيادة قدرات الفرد من خلال الاسترخاء، وتطوير وظائف الدماغ العليا، والقدرات النفسية حيث طورها الى تجارب علمية مؤثرة بُنيت عليها الكثير من "التكنيكات" في علم تطوير الذات
المثير هنا أنه وكلّما تعمّق الدارس في هذا المجال، وكلّما إطّلع على المزيد وبكل موضوعية، فانه سيرجع حتماً الى القرآن والى توجيهات الدين الإسلامي في إرادة التغيير وكيفية ضرورة نشأته والتي تبدأ في النفس قبل المحيط وذلك في قوله تعالى: "إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"وايضا في قوله تعالى "لِمَن شَاء مِنكُمْ أَن يَسْتَقِيمَ"
وهنا الحديث يطول فحديث النفس هو بمثابة حديث مع الله ودعاء وسؤال وطلب ومشورة لكن النشأة بدأت هنا وبعد ذلك توجه الكثيرون الى شرحها وتبيان كيفيتها وشرح طرقها نظرياً وعلمياً فهُم مرشد للتائهين ومُلهم لغير العارفين