بعض البشر يعتمدون على "المقاصّة" يوم الحساب العظيم في الدنيا الآخرة. يرتكب أحدُهم عشرةَ ذنوب، ويعمل حسنةً واحدةً لمعادلتها وشطبها والتكفير عنها، ثم يأتي بحَسَنة ادخارٍ، لضمان أن يكون صاحب رصيدٍ موجبٍ مريحٍ، ينجيه من النار "الكبرا"، ويؤمّن له الجنةَ وأنهارَ عسلها ولبنها وخمرِها، وسررها المرفوعة وحورياتها، اطمئناناً إلى وعده تعالى {مَّثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ، فِيهَا أَنْهَارٌ مِّن مَّاءٍ غَيْرِ آسِنٍ وَأَنْهَارٌ مِّن لَّبَنٍ لَّمْ يَتَغَيَّرْ طَعْمُهُ وَأَنْهَارٌ مِّنْ خَمْرٍ لَّذَّةٍ لِّلشَّارِبِينَ وَأَنْهَارٌ مِّنْ عَسَلٍ مُّصَفًّى وَلَهُمْ فِيهَا مِن كُلِّ الثَّمَرَاتِ}.
فهو لا يتعاطى المشروبات الكحولية طيلة ساعات النهار، لا يقربها إلا بعد أن يصلي الصلاة اليومية الخامسة، مطبقا النهي الرباني {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقْرَبُوا الصَّلَاةَ وَأَنتُمْ سُكَارَىٰ حَتَّىٰ تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ}.
بعد أن يؤدي صلاة العشاء يهاتف الرجلُ- المحاسب، الندماءَ والخِلاّنَ، ليحدد معهم ساعة الوصول إلى منزله،ثم يأخذ في تجهيز مستلزمات السهرة (تُقرأ السكرة)، قارورة المشروب والكؤوس ومكعبات الثلج والمقبلات الشرقية التقليدية، التي تبدأ بالحمص والمتبل والحلوم المشوي والريَش (تُقرأ الكستليتا) والطُّحَل والجوانح والقوانص، عبوراً إلى القلاية الحارة، وصولا إلى المنسف !!
اعتقد أن معظمنا عرفً هذا النوع من "المحاسبين الشُّطار" الذين يعملون على قاعدة "كل شئ بحسابه".
فهو يعرف معرفة يقينية، أن تعاطي الكحول "وطبعا ارتكاب معاصٍ اخرى"، يرتّب عليه ذنباً قُراحاً. لكنه يطمئن إلى أنه سيسدد ذنوبَه ويمحوها بالحسنات التي سيجيء بها من الصدقات والتبرعات وأعمال الخير، اعتماداً على وعده تعالى {مَن جَاءَ بِالْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا وَمَن جَاءَ بِالسَّيِّئَةِ فَلَا يُجْزَىٰ إِلَّا مِثْلَهَا وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ}.
ما همَّنا سلوكُ الفرد الذي لا ينعكس سلباً على المجتمع، فذلك شأنه وتلك حياته وحريته.
يهمنا ويؤذينا ارتكابه المعاصي والموبقات والغش والخِداع واغتيال الشخصيات ومس الأعراض والتشهير والتزوير.
إن هذا النوع من البشر، يلحق الضرر والهلاك بعشرة مواطنين اتكالا على مد يد العون إلى واحد منهم، وتلك حسبةٌ جائرةٌ ضيزى !!