ما لم يتحرك الأردنيون لإنقاذ أنفسهم من أزماتهم، وحل مشكلاتهم ، وقلع أشواكهم بأيديهم ، فسيبقون يدورون بالحلبة ذاتها ، ويتبادلون اللوم واللطم مع حكوماتهم و إداراتهم العامة ، لن يساعدهم أحد ، ولن يجدوا أمامهم سوى مزيد من الفشل ، أو الهروب للماضي ، أو الاستعانة بتجار "المعارضات " لأخذ ما يلزم من " منبّهات"التحريض والغضب والاستفزاز تارة ، ومن" مُليّنات" السخرية والتسكين و الاستهانة ، تارة أخرى .
على امتداد العقود الماضية (30 سنة ) جرب الأردنيون وصفة "المقاطعة"، احتجاجا على توقف عجلة السياسة ، أو اختلال حركتها وموازينها، تَمنّع أغلبيتهم (نحو 70% )، وما زالوا ، عن المشاركة بالعمل العام ،و الانتخابات، و الانضمام للأحزاب( لاحظ أننا لم نفعل ذلك تجاه الأسواق حين يعمّ الغلاء، وترتفع الأسعار) ، وجربوا الاحتجاج بالشارع ، وفتحوا آذانهم لمن دب الصوت ورفع السقوف، وأدمنوا على الشكوى والانتظار.
كان سؤال " اللاجدوى"هو الحاضر الوحيد الذي تردد على ألسنة كثير من نخب مجتمعنا وانتقلت عدواه للناس، فماذا كانت النتيجة ؟ أحوالنا لم تتغير ، لا على صعيد أداء مؤسساتنا ، ولا على صعيد اليأس الذي اغرق الناس في بلدنا ، من المستفيد ؟ اصحاب الوضع القائم الذين أسعدهم ما فعله الاردنيون بأنفسهم ، فظلوا " يتبرطعون" بمواقعهم و مكاسبهم، من الخاسر ؟ الدولة والوطن ، الأردنيون الطيبون كلهم بلا استثناء .
يبدو أننا لم نتعلم من هذه التجربة المرّة، وما فيها من دروس الخسارات والخيبات ، تصور (!)عدد الذين انضموا للأحزاب ،حتى الآن ، لم يتجاوز السقف المحدد لترخيصها( 12 ألفا ل 12 حزبا جديدا )، آخر انتخابات برلمانية لم يشارك فيها سوى 30% من عدد الناخبين المسجلين ، حالة الانسحاب واللاثقة واللامبالاة تترسخ وتتراكم في مجتمعنا اكثر فأكثر ، هل يتوقع الأردنيون ، إذن ،أن تأتي حكومات وبرلمانات تمثلهم، وتحظى بثقتهم ،وهم على هذه المواقف ، وبالحالة التي استغرقوا فيها منذ عقود ؟ هل ينتظرون التغيير بالبراشوت أم بالمعجزة في زمن انتهت فيه المعجزات ؟
أدرك ، تماما، أن لدى القراء الأعزاء -ولدي أيضا - عشرات المبررات والأسباب والهواجس ، كلها تصب في خانة " اللاجدوى"من المشاركة ،وتحمل ادارات الدولة المسؤولية ، لكن أريد أن أشير إلى نقطة واحدة ، فقط، وهي أن كثيرين من الذين صنعوا ما نحن فيه ، حريصون على أن نبقى كما نحن ، ما يعني أن وصفة الخروج من أزماتنا، التي تصورنا أنها الحل والمخرج ( اقصد المقاطعة) ، هي ذات الوصفة التي يرى هؤلاء أنها الأفضل والاضمن لاستمرارهم في المسار ذاته ، وبالتالي فنحن بما عليه نعمل بالنيابة عنهم ، ونمنحهم ما يريدون بأقل جهد منهم .
إذن ، نحن -الأردنيين - من ساهم ،بقصد او بدون قصد ، فيما وصل إليه بلدنا من أزمات ، وما نعانيه من اختناقات ، لأننا تركنا المجال العام فارغا ، فملأه هؤلاء المتنفذون، من اعداء الاصلاح ، وسوف يورثونه لابنائهم وأحفادهم أيضا، إذا بقينا على ما نحن فيه ، من عطالة وهروب وعزوف عن خدمة بلدنا.
من يستطيع أن يمنع الأردنيين ، مثلا، متى امتلكوا العزيمة والإصرار ، وطردوا الخوف من الوصايات والتدخلات، من إنشاء أحزاب تمثلهم ، أو الانضمام لأحزاب تتوافق مع أفكارهم وطموحاتهم ؟ الدولة -بكافة إداراتها -لا تستطيع اليوم أن تفعل عكس ذلك ، لان مشروع الحزبية اصبح استحقاقا للنظام السياسي والدولة والمجتمع ، وسيكون بالمستقبل هو الطريق لتشكيل البرلمانات والحكومات .
السؤال : إذا عزف الأغلبية عن الدخول في هذا المسار ، واكتفوا بتوزيع الاتهامات والإنتقادات ، فما هي النتيجة ؟ أحزاب ضعيفة يركبها مجموعة من المتنفذين السابقين ، والمتسلقين ، واعداء الحزبية ، و الأخوة الكبار، و الديناصورات القديمة المتجددة ، والبزنس المتوحش ، هؤلاء كلهم سيتربعون على مواقع ادارات الدولة ، فيما سيظل الأردنيون يتبادلون الكراهية والغضب على منصات التواصل الاجتماعي، و أحوالهم لن تتغير للأحسن.
أمام الأردنيين فرصة لكسر حالة اللايقين واللاجدوى، والإحساس بالعجز ، التي جربوها عقودا طويلة ، وهي إعلان النفير العام ، للانخراط بالعمل السياسي ، والاستثمار بالممكن والمتاح، وإن كانت مردوداته المتوقعة متواضعة على المدى المنظور، إلا أنها ستكون متراكمة مع الزمن، وضاغطة بما يكفي للانتقال إلى وضع قادم أفضل ، هذا هو الطريق الوحيد أمامهم ، وإلا فأرجو أن لا يلوموا أحدا على ما هم عليه ، أو ما سوف يؤولون إليه ، ف" إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم".