رغم الغموض المقصود الذي اضفته بيجين وموسكو على الموعد الدقيق لوصول الرئيس الصيني شي جين بينغ إلى العاصمة الروسية، إلاّ أن نفياً صريحاً لعدم حصولها لم يتم، ما يُعزّز الاعتقاد بأن الزيارة ستتم نهاية الشهر الجاري, وهناك من رجّح أن تكون مطلع شهر أيَّار القريب, لتتزامن مع احتفالات روسيا (9 أيَّار)، بانتصارها في الحرب الوطنية العظمى على ألمانيا. وفي ذلك – إن حصل – رسالة واضحة من بيجين إلى واشنطن وحلف الناتو. إثر ارتفاع منسوب التوتر بين الصين (وروسيا) بعد اتفاق «غواصات أوكوس النووية», الذي تم توقيعه بين واشنطن ول?دن وكانبيرا لـ«مواجهة تهديد بيجين»، كما قال بايدن وسوناك البريطاني وألبانيز الأُسترالي، رغم انتهاكهم اتفاقية الحد من الانتشار النووي (حيث استراليا ليست دولة نووية)..
جدول أعمال قمة شي - بوتين مزدحم وسط أجواء ضاغطة ومتسارعة. صحيح أن أبرزها حتى وقت قريب كانت خطة السلام الصينية لحل الأزمة الأوكرانية, منذ طرَحها كبير الدبلوماسيين الصينيين/وانغ يي بعد زيارته موسكو في 24شباط الماضي, تزامناً مع الذكرى الأولى للعملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، إلاّ أنه صحيح دائماً أن ما تُواصل واشنطن اتخاذه من خطوات تصعيدية وأخرى استفزازية خاصة في المحيطين الهادئ والهندي، يؤشر إلى أن الأمور ماضية إلى مُواجهة ليس بالضرورة أن تكون ساخنة بقدر ما تؤشر إلى اندلاع حرب باردة جديدة بعد طي ال?رب الباردة الأولى (1947-1991), التي اعتقدت واشنطن أن نتائجها صبّت في صالحها. ما «يمنحها» قيادة منفردة للعالم عندما سارعت إلى اعتبار القرن «21» قرناً أميركياً بإمتياز، الأمر الذي لم يتحقّق حتى خلال أول عقدين من القرن الجديد، رغم تبنّيها نظرية الحروب الاستباقية وشعار «مَن ليس معنا فهو ضدنا»،..ثم وجدت نفسها لاحقاً متورطة في حروب عبثية لم تحقق فيها أي انتصار, بل كانت هزيمتها في العراق وخصوصاً هروبها المذل في أفغانستان, مؤشراً على انهيار مُتدحرج لقوتها العسكرية ونفوذها السياسي المتآكل. وهو ما تجلّى كذلك من بين ?مور أخرى في رفضها بغطرسة منح ضمانات أمنيّة لروسيا وعدم توسّع الناتو إلى حدودها, وعرقلة حل سياسي للأزمة الأوكرانية عبر تطبيق اتفاقيتي مينسك, فضلاً عن تبنّيها سياسة عسكرة تايوان وضخ المزيد من الأسلحة إليها, وعقد المزيد من التحالفات ذات الطابع الأمني في المحيطين الهادئ والهندي, كتحالف أوكوس الثلاثي الذي ضم الولايات المتحدة وبريطانيا واستراليا، كذلك تحالف «كواد» الرباعي مع كل من استراليا والهند واليابان. ناهيك عن سلسلة الإجراءات والمناورات العسكرية التي يقوم بها الأسطول الأميركي وطائرات الاستطلاع في مضيق تايوا?. وفي الوقت الذي ما تزال واشنطن تقول: إنها ما تزال تلتزم مبدأ «صين واحدة»، فإن إدارة بايدن لم تحُلّ بل دعمت زيارة رئيسة مجلس النواب الديمقراطية السابقة نانسي بيلوسي لتايبيه, فيما تستعد رئيسة تايوان للإجتماع برئيس مجلس النواب (الجمهوري)مكارثي في كاليفورنيا.وإذا كان الرئيس الصيني الذي انتُخِب مؤخراً رئيساً لدورة ثالثة, قد اتهم بلهجة قاسية ومُتحدية الولايات المتحدة بقيادة الجهود الغربية باتجاه «الإحتواء والتطويق والكبت الكامل للصين»، فقد جاءت الخطوة الاستفزازية الأخيرة المُتمثلة باتفاق غواصات أوكوس النووية التي رفضتها وعارضتها بيجين بشدة، لتُشكل نقطة «تلاقٍ» أخرى بين الصين وروسيا. حيث اتهمت الأخيرة «الغرب» بإثارة سنوات من المُواجهة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، معتبرة على لسان وزير خارجيتها/ لافروف أن «العالم الأنغلوساكسوني، مع إنشاء هياكل مثل أُوكوس، ومع تقدّ? البنى التحتية العسكرية لحلف شمال الاطلسي في آسيا، انما يُراهن بشكل جاد على سنوات عديدة من المُواجهة». فيما ذهب ناطق الكرملين/بيسكوف، إلى طرح «أسئلة كثيرة مُتعلقة بمسألة منع الانتشار النووي، ما يعني ــ أضاف ــ الحاجة إلى شفافية خاصة، ونحتاج أيضاً إلى اجابة الاسئلة التي ستُطرح».في الخلاصة..رغم «التحذيرات» الأميركية والأوروبية والناتوية للصين, في شأن «ما ينتظرها من عقوبات وإجراءات في حال زوّدت روسيا بأسلحة وذخائر»، فإن بيجين باتت تدرك عن قناعة بأن المعسكر الغربي الذي يراهن على «هزيمة» موسكو، لن يقف عند هذا التطوّر(المستحيل حدوثه في ما نحسب), بل سيمضي الانغلوساكسوني قُدماً لخنق الصين وربما إعلان الحرب عليها.وهو أمر باتت القيادة الصينية تؤكد إنها لن تسمح به, سواء في ما خص تايون أم خصوصاً في شأن إستعدادها التصدّي لسلسلة الأحلاف والقواعد العسكرية, التي تُواصِل واشنطن والناتو إقامتها في المحيطيْن الهادئ والهندي, تُشاركها القناعة ذاتها موسكو الذاهبة هي الأُخرى قُدماً في تحقيق أهداف عمليتها العسكرية الخاصة حتى النهاية. خاصة بعد حادث سقوط مُسيّرة «الإستطلاع» الأميركية فوق البحر الأسود. ما إعتبرته صحيفة «بوليتيكو» الأميركية «زلزالاً دبلوماسياً», ونذير تصعيد مُقلِق بين واشنطن وموسكو, ما يزيد التوتّرات المتصاعدة بينهما?