أبلغ درس قدمته "الدستور "، المؤسسة الصحفية و العاملون فيها ، لإدارات الدولة ،والمجتمع ، هو الإصرار على الخروج من الأزمة ، واستعادة العافية، كيف حدث ذلك ؟
على امتداد العشرية المنصرفة تعرضت الصحيفة، اكثر من زميلاتها الصحف الورقية، لأزمة مالية خانقة ، تفاصيلها طويلة ومعقدة ، يكفي أن رواتب الصحفيين والعاملين انقطعت عنهم لمدة تجاوزت -في احدى السنوات - تسعة أشهر متتالية، آنذاك لم ينقطع احد عن عمله ،أصر الجميع على أن يتحملوا ويصبروا ، وراهنوا على ارادتهم وصمودهم .
صحيح ،كانت حالة اليأس والقلق حاضرة، وأحيانا تتمدد، لكن المقاومة كانت موجودة وبقوه ، وروح التعاون و التكافل بين الزملاء جبرت الخواطر ، وساعدت على مواجهة ما أمكن من آلام وعثرات .
درس مواجهة اليأس بالإصرار والعمل ،والانتماء للمؤسسة والإيمان بها ،والاستعداد للتضحيه من أجلها (ثلاثة موظفين طلقو ا زوجاتهم بعد أن وضعوهم بين خيارين : إما نحن أو ترك العمل بالدستور ) يجب أن يكون رسالة ملهمة ،لكل الأردنيين الذين تعرضوا -وما زالوا -لأزمات اقتصادية صعبة ، المضمون واضح ،وهو أن الإرادة بالصبر والعمل تنتصر ، كما أن اللطم والاستغراق باليأس، أقصر طريق للفشل والخسارة .
الدرس الثاني هو الاستثمار في هذه المناخات الصحية لمواجهة الأزمة ، وإبداع ما يلزمها من حلول ، حصل ذلك خلال العامين المصرفين ،حين حظيت الصحيفة بإدارة حصيفة ، تعاملت مع الملف بأمانة وشفافية وعزيمة ، أعرف -تماما - أن كل الإدارات السابقة للصحيفة قامت بما هو مطلوب منها ، وتستحق الشكر والاحترام ،لكن يجب أن اسجل ،من باب الإنصاف ، للمدير العام الحالي( أيمن العدينات) انه انقذ الصحيفة ، وأعادها إلى سكة التعافي والسلامة، ما يعني (وهذا المهم ) ان بمقدور الادارة ، في أي مؤسسة ، متى كانت تمتلك ثقة العاملين فيها ، أن تجترح ما لا يخطر على البال من حلول.
استدعاء درس الادارة الحكيمة ، والنزاهة والكفاءة ، إنجاز ممكن ، وليس "معجزة " ، لقد حصل في "الدستور " ، ويمكن أن يحدث مثله بكافة مؤسساتنا وإداراتنا ،العامة والخاصة ، المطلوب، فقط، اختيار الموظف المناسب ، في المكان المناسب ، والقيادات الادارية ، بدون واسطات او وصايات أو تدخلات ، والاختيار هنا يجب أن يكون على أساس الكفاءة والمهارة والخبرة فقط، ثم أن نترك لهم أن يعملوا ويجتهدوا، ونراقب إنجازاتهم، ونحاسبهم إن أخطأوا ، او نرد عليهم التحية بالتحفيز والاشادة ، اذا ابدعوا وانجزوا .
كما تعافت "الدستور " بفضل صمود الصحفيين والعاملين فيها وصبرهم ، وبفضل وجود حوكمة إدارية ،اثبتت نجاحها ، يمكن ان نعمم نموذج هذا التعافي على مؤسساتنا ، ونبعث برسائله لكل الأردنيين الذين فقدوا الأمل بالانفراج، أو بالعيش الكريم، لا تقل لي أبدا : إن مشكلتنا في الادارة العامة مستعصية عن الحل ، لا تقل لي، أيضا : إن الأردنيين لا يريدون الخير لبلدهم ، ولا يشعرون بالانتماء إليه ،أو أنهم غير مستعدين للصبر والتحمل من اجله .
اعطني -إذا سمحت - نموذجا للإدارة الكفؤة التي تستطيع أن تطمئن الناس بأنها جادة بالإصلاح ، وجاهزة لتقديم الحلول الصحيحة، اعطني ،أيضا، نماذج لمسؤولين ، أو موظفين، كبارا وصغارا، تنازلوا عن بعض امتيازاتهم ، وقدموا مصلحة مؤسساتهم على مصالحهم ، كما فعل صحفيو " الدستور " والعاملون فيها ، عندها أقول لك : إن أحوالنا ستتغير للأحسن، وأزماتنا ستنتهي، الواحدة تلو الأخرى، وثقة الناس بإداراتهم العامة و بلدهم ، ستعود أفضل مما كانت .
هل وصلتكم ، إذاً، رسالة "الدستور "، رسالة الصحفيين والعاملين الذين صمدوا وعضوا على الوجع 10 سنوات ، ورسالة الادارة الكفؤة التي أعادت العافية لمؤسستها، و الأمل للعاملين فيها ، والصدارة للصحيفة التي كادت ان تغلق ابوابها ؟ أرجو أن تكون وصلت ، وأن تستفيدوا منها ، ثم تردوا عليها التحية بمثلها، أو باحسن منها.