انتخابات نواب الأردن 2024 اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات وظائف للاردنيين احزاب رياضة أسرار و مجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مقالات جاهات واعراس مناسبات مجتمع دين ثقافة اخبار خفيفة سياحة الأسرة كاريكاتير طقس اليوم رفوف المكتبات

المصالح ... بين الصالح والطالح


اماني فايز بطاينة

المصالح ... بين الصالح والطالح

مدار الساعة ـ نشر في 2023/03/15 الساعة 23:29
تشكو لي صديقتي من سيناريو مقابلة ابنها، ذي الأربعة أعوام، وإنهاء مقابلته اليومية لها بعد العودة من العمل، بعد القبل والعناق بسؤال: "شو جيبتيلي؟".
تسألني صديقتي؛ من زرع في نفس ابنها هذا التصرف، هل هي هداياها العديدة؟ أم أن ذلك شعورا فطرياً لدى الانسان بأن كل العلاقات الإنسانية يوجد خلفها حاجة ما؟ أم أنه يتشرب ذلك مما يراه من سلوكنا أمامه، نحن الكبار؟!
واتساءل معكم بنفس الأسئلة...
"مصالح ... مصالح ... كله مصالح" ... لقد سمعت هذه الجملة وسمعناها جميعا، حتى بت أخشى أن تصبح معتقدا راسخا لدي، بعدما غدوت أجدها منهجا عند العديدين، إن لم يكن الأغلب في هذا العصر.
لنعود قليلا للأصل،
منذ بدء التاريخ الإنساني، تعلَّم البشر أن هنالك تبادلٌ نفعي بينهم. فبدأت الزراعة ثم التجارة. ثم بدأت العقود التبادلية ووصلت للزواج والعلاقات الإنسانية وكل ما يمكن تحديده بعقد قانوني. ثم استُحدث مفهوم السعر والبضاعة والاستهلاك وقيمته ومدة الخدمة وتقادم المُنتج والعرض والطلب، وما الى هنالك من مميزات ومحددات لعمليات التبادل التجارية ... وفي بعض الأحيان الإنسانية.
كل ذلك أمر طبيعي بل هو مما تحتاجه الحياة لتنتظم ولترتسم حدودها بين البشر، لكن ما يثير حفيظتي حقا، هو وصولنا لعالم مادي بحت، غدت أغلب العلاقات فيه قائمة على هذا المبدأ النفعي الخالص. أصبح للإنسان بطاقة سعر لا قيمة إنسانية، وأصبح تقييم البشر بعدد المتابعين لهم في وسائل التواصل وبكم الماركات التي يلبسونها ويمتلكونها او العطايا والمصالح التي ممكن أن يبذلونها. وأصبحت المصلحة هي المحدد الأهم والأول في تحديد العلاقة الإنسانية ومدة هذه العلاقة وأهميتها وحتى هدفها.
وللوهلة الأولى قد نعتقد أن هذا أمر طبيعي بل ومرغوب، ولكن ...
سؤال للتفكُّر لا للإجابة:
هل تعتقد أن كل العلاقات لا بد أن تكون قائمة على المصلحة، بغض النظر عن نوعها وهدفها ومدتها؟ وما هي نسبة المصلحة وحدودها في التبادل الإنساني؟
عن نفسي، لم أرتح يوما لفكرة أن العلاقات الإنسانية كلها قائمة على المصالح، ما دفعني للبحث أكثر عن النفعية في العلاقات الاجتماعية، حتى وجدت إحدى النظريات القائمة عن العلاقات في علم الاجتماع وعلم النفس وهي "نظرية التبادل الاجتماعي".
بالإنجليزية " Social exchange theory ".‏ وهي نظرية اجتماعية نفسية ورؤية اجتماعية ظهرت في أوائل الستينات نتيجة فشل تفسير السلوك الإنساني في مستوياته المختلفة من قبل علم النفس وعلم الاجتماع.
وتنص "أن التغير والاستقرار الاجتماعي عملية تبادل تفاوضية بين الأطراف المختلفة. وتطرح هذه النظرية فكرة أن العلاقات الإنسانية تنشأ من حسابات غير موضوعية للتكلفة والمنفعة cost-benefit analysis ومن مقارنة البدائل في التعاطي.
كذلك فإن الناس يفكرون في علاقاتهم من الناحية الاقتصادية وأنهم يرفعون التكاليف ويقارنونها بالمكافآت التي يتم تقديمها
ويجادل منظور "التبادل الاجتماعي" أن الناس يحسبون القيمة الإجمالية لعلاقة معينة عن طريق طرح تكاليفها من المكافآت التي توفرها:
القيمة = المكافآت – التكاليف"
وحتى نفهم هذه النظرية بشكل أكبر، إليكم بعض المفاهيم المهمة التي تنص عليها هذه النظرية:
• المكافآت الاجتماعية: أي ثمن قيام الفرد بعمل يطلب المجتمع منه القيام به فهي محفز بقدر ماهي هدف للحصول عليه.
• المنفعة: أي قدرة النشاط الإنساني على تقديم منفعة للآخرين مقابله، وامكانية تبادله بنشاط إنساني آخر.
• الكلفة الاجتماعية: أي كمية النشاط الذي يستوجب من الفرد القيام به لقاء حصوله على منفعة مرتقبة أو متوقعة.
• المصالح: أي الطموحات الذاتية – مادية أو معنوية – التي يرتجي الفرد تحقيقها.
• المنافسة: أي التسابق في الحصول على أكبر عدد ممكن من المكافآت الاجتماعية بأقل كلفة واعلى قيمة في عملية المبادلة وفي حال تعدد الأطراف في عملية التبادل تلك.
سمحت لنفسي ولامتعاضي مما تنص عليه هذه النظرية، بنقاشها ونقضها بما سأطرحه عليكم، علني قد أساعد صديقتي لتصل مع ابنها إلى حذف سؤال "شو جيبتيلي" ونُبقي المشهد على المشاعر الفياضة والحب المجرد بشكل ما، أو على أقل تقدير ستستطيع صديقتي وأنا معها فهم موقف ابنها وغيره أو حتى تفنيده!

أولا:
غاب عن هذه المفاهيم، مفهوما إنسانيا قد ننسب له أكثر التغييرات والانقلابات في تاريخ الإنسانية ... وهو العطاء.
العطاء هو أحد الفضائل الإنسانية التي تعني البذل والتضحية والتي لا تنحصر في حب الذات بل بحب الآخرين والتجرُّد من الأنانية وحب التملك.
والعطاء مستويات:
- مادي ملموس.
- معنوي غير ملموس.
وقد اتبعه أعظم المؤثرين والمغيرين في تاريخ البشرية مثل الرسل والمصلحين وحتى الأمهات والقادة الملهمين أو حتى مثل ما حدث من أشخاص عاديين مثلي ومثلك من "فزعة" بعد زلزال سوريا وتركيا من تبرعات سخية وصلت الى حد فرشة السرير الجديدة او حتى المستخدمة. فهل كان هؤلاء "الأبطال" يتبعون نظرية "التبادل الاجتماعي"؟ وإن فعلوا ذلك بشكل غير واعي، ما الذي قاموا بأخذه بالمقابل؟
ثانيا: ما هو مكلف لفرد معين، ليس كذلك لفرد آخر مشترك معه في علاقة تبادلية.
وأيضا ذلك ينطبق على المنفعة.
فقد يكون النشاط المتبادل ذا كلفة ومنفعة عالية لفرد بينما يكون أقل من ذلك بالنسبة لفرد آخر مشترك معه في علاقة تبادلية. من الممكن أن الوقت، وهو ما يمثل "جزءا من العمر" الذي لا يعوَّض، أهم وأغلى ما تعطيه للمقابل، وهو ما قد يكون، أي الوقت، دون أدنى قيمة لهذا الإنسان المقابل.
فمثلا
قد يكون عمل فني يقضي فيه فنان ساعات طويلة، من عمره، برسم لوحة كهدية، أغلى ما يقدمه لإنسان ما.
وقد تكون "ساعة" الرولكس، التي قد تعوَّض، وتَبلى وتتقادم وتُستهلك وتُبتذَل، هي أغلى ما قد تقدمه لهذا الأنسان.
فأيهم أغلى وأعلى قيمة: الذي يعوَّض.. أم الذي لا يعوَّض؟
وكيف سنحل هذه المعضلة؟. إن وُجِدَت من وجهة نظركم .. وكيف سنتفق على القيمة والتكلفة؟
وهل ستقنع صديقتي ابنها، في يوم من الأيام، بأن حضوره ووقتها معه ... هو الهدية في بعض الأحيان؟
ربما، قد يكبر إبن صديقتي يوما ما، ويتسع وعيه، وقد تصدمه الدنيا بقوانينها، ليُدرك ان تشارُك الوقت سويا ومع من نحبهم لا يعوضه العديد من الهدايا وقطع الشوكولا، وأن ساعة من العمر المسروق والمهدور أو حتى المُستثمر والمبذول والذي قد يُعطى دون انتظار مقابل لمن نحب، لا تحلّ مكانه ولا تعوضه كل ساعات الرولكس.
ربما ...
مدار الساعة ـ نشر في 2023/03/15 الساعة 23:29