لفت انتباهي، في الأيام القليلة الماضية، منشورات في الفضاء الإليكتروني يعترض أصحابها على زيّ مَن يقدمون القهوة العربية السادة للزبائن والضيوف والسياح في الفنادق، والمطاعم الكبرى.
ومبعث الاعتراض على هذا الزي أنه يتشابه مع زيّ العسكريين في قوات البادية الأردنية، وأن في هذا التماثل إهانة لرمزية هذه القوات التي تقوم بواجب حماية الوطن، وحفظ الأمن والنظام، وإنفاذ القانون ضمن مجال اختصاصها، وأنها مهمة أسمى وأكبر من أن تختلط بمهمة (سقاة القهوة ومقدميها) الذين يعملون مقابل أجر من صاحب المنشأة، سواء كانت عامة أو خاصة.وفي هذا السياق، أقول: لا بأس على هذا الاعتراض؛ لأن لكل وظيفة أيقونتها، أو رمزها، أو شعارها الذي يدل عليها وعلى المنسوبين إليها الذين لهم، وحدهم ودون غيرهم، الحق في استعمالها، مع التأكيد على أن لكل مهنة مكانتها وقيمتها واحترامها ما دامت تقدم خدمة بعيدة عن الخنا، وخوارم الشرف.أما أن يستعان (بصور شخصية) لسقاة القهوة ومقدميها في مقالات وتعليقات وتعقيبات تتناول هذا الموضوع، وفي مضامين تحمل معاني التحقير لهم، والتقليل من شأنهم – فهو أمر لا يليق، ولا يجوز، ولا يتحلى بفضيلة احترام الآخرين.وبكل أسف، لم تكن هذه الصور مموهة، أو مشتتة التقاسيم، بل كانت صورا حقيقية واضحة؛ بتفاصيل وجوهها، وكل ملامحها الحيّة، لعاملين يرتدون الزي المشار إليه، ويحملون دلال القهوة التي يكسبون من خلالها رزقهم ورزق عائلاتهم ومن يعيلون.وحتى يمعن ناشرو هذه الصور والتعليقات والتعقيبات في الإساءة إلى هذه الشريحة ـــ ـ يقومون بنشر صور منتقاة لشباب من أفراد قوات البادية بجانب تلك الصور؛ بهدف خلق مفارقة واضحة، بين صاحبي الصورتين وما يمثله كل منهما. وهي مفارقة تستعين (بالصورة) على الإطاحة بكرامة شريحة من أبناء مجتمعنا، والإعلاء من مكانةٍ علـيّةٍ أصلا لشريحة أخرى من إخوانهم في الإنسانية والمواطنة.ولعل أبسط ما يمكن أن نصف به هؤلاء الناشرين، أنهم ممن ينطبق عليهم قولنا الشعبي: (يحييك، ويخزي ابن عمك). وهو تعبير يحمل إدانة لسلوك كل من يمدحك، ويذم أخاك في الوقت نفسه.لكل هؤلاء المعترضين على (زي سقاة القهوة)، أقول: ليتنا طرحنا الموضوع من منطلق ضرورة تمييز أصحاب المهن والمهمات عن بعضهم، بأن لا نرضى أن يرتدي طبيب المستشفى زي عامل الوطن، مثلا، أو العكس، لا لأن أحدهما أفضل في (القيمة الإنسانية) من الآخر، بل لمنع الالتباس، وعدم اختلاط الأمور على الناس.أما نشر (الصور الشخصية) الواضحة في معرض (التقليل من شأن) مواطن، أو أي إنسان، أو أي مهنة ـــ ـــ فأمر ترفضه الأخلاق، وترفضه قيم المهنية الإعلامية، وقواعد السلوك الصحفي.وأختم هذه السطور بسؤال بسيط: ما هو شعور هذا المواطن الذي تظهر صورته في معرض (تقليل الشأن) بسبب طبيعة عمله، أمام أسرته: زوجته، وأبنائه، وبناته، وغيرهم من أقربائه؟؟وما هو شعور كل من هؤلاء أمام أصدقائهم وأقاربهم ومعارفهم؟اتقوا الله في الناس، وفي أعراضهم، وكراماتهم.. وأنت، يا أخي، سواء كنت صحفيا حقيقيا، أو مدعيا، وسواء كنت كاتبا واعيا، أو من جماعة (عليهم عليهم)، ضع نفسك في مكان من تشوّه صورته، بدعوى حرصك على صورة الوطن. واعلم أن الوطن بحاجة إلى كل أبنائه، بغض النظر عن طبيعة أعمالهم ما دامت شريفة وتؤدى بإتقان، وما دامت تكف أيديهم عن التسول ومسألة (اللي يسوى واللي ما يسواش).
كَحّلْها، لكنْ لا تُعْمِ عينَها
مدار الساعة ـ