الأردن يسير بخطى ثابتة نحو الدولة المدنية التي تكرس سيادة القانون على أساس مبادئ العدالة والمساواة, بغض الطرف عن تجاوزات هنا وهناك وهو ما يحصل في مرحلة التحول.
من هنا يمكن قراءة تركيز الملك على أهمية العشائر الأردنية في حماية النسيج الاجتماعي ومرجعيته العادات والتقاليد المرتكزة إلى الإسلام الذي يحرص على حماية غير المسلمين وحقوقهم وقد حدث هذا وترسخ على مر مراحل التاريخ.لا يعيب السجال السياسي والاجتماعي أن يكون فيه أصوات جميع الأطياف التي تنبذ القشور وتغلب الاختلاف وتحمي المجتمع من رياح مسمومة تسعى إلى تقويض القواعد الراسخة للمجتمع عبر جمعيات أو مؤسسات دولية ومحلية تحاول أن تفرض شروطها تحت عنوان المنح والمساعدات من هنا وهناك وكل ذلك على حساب الجوهر الذي يميز المجتمع الأردني.الدولة المدنية تواجه تحديات ليس فقط من جانب القلقين على النسيج الاجتماعي، وصوتهم مفهوم ومبرر بل في محاولات تمرير بعض السياقات الغريبة على هذا النسيج.هذه التحديات المزدوجة هي التي دفعت الملك لوضع خط فاصل في الورقة النقاشية السادسة تأطيرا للحوار وترسيخا لقواعد بنيت عليها الدولة وأظن أن في ذهن جلالته وهو يكتب هذه الورقة دستور المدينة المنورة الذي وضعه الرسول العربي الهاشمي, فهو تماما ما أرادت الورقة النقاشية السادسة أن تجسده كهوية للدولة الأردنية, هو دستور مدني متكامل الأول من نوعه في التاريخ, توافقت عليه كل الاتجاهات التي سادت آنذاك بكل معانيه ومراميه في التعددية واحترام الأديان والأعراق وحرية المعتقد وتأسيس نواة فريدة ذات بعد تعاضدي وإجتماعي فريد.دولة المدينة المنورة صاغت اسس الدولة المدنية قبل مبادئ الثورة الفرنسية بقرون وقبل جان جاك روسو وقبل شعراء ومفكري اوروبا والعالم لكن بخصوصيتها وباهدافها حسنة النوايا والمخلصة للفكرة والمبدأ بلا اية اهداف جانبية او مرام مستترة.الاختراق في جدار الدولة المدنية المرتكزة إلى المبادئ التي تأسس عليها المجتمع الأردني يأتي عبر بوابة العصرنة والتحديث الفارغ من الأصالة وهو لغرابته تسبب حتى الآن في تراشق اجتماعي وسيتسبب بالمزيد كلما تعمقت هذه الاختراقات.الدولة المدنية كما وصفتها الورقة النقاشية السادسة ترمي إلى تحقيق العدالة والمساواة في إطار القانون المدني تمنح القوى العشائرية والسياسية والمجتمعية والدينية أدوارها في البناء السياسي والاجتماعي بتوافق دون أن نفتئت أيا منها على المجتمع ونسيجه.الأردن يسعى لأن يكون مجتمعا مدنيا لكن أصيلا، المواطنة وشروطها وحقوقها واستحقاقاتها محورها ومركزها ونسيجها الذي بني على مدى قرن بمرجعياته الاجتماعية والدينية التي بنيت على مدى ١٤ قرنا وأكثر.