ما تزال أصداء الاتفاق السعودي الإيراني الذي تم برعاية صينية, تتردّد في جنبات المشهدين الأميركي والشرق أوسطي وبخاصة في دولة العدو الصهيوني, وإن كان مسؤولو الكيان الغاصب يتعاملون مع الحدث الذي هزّ المنطقة إعلامياً وسياسياً بـ«مكابرة» تخفي عجزاً, عندما يقولون إن «الاتفاق» لن يُغيّر كثيراً في خطط ومواقف تل أبيب من البرنامج النووي الإيراني, الذي يزعمون أنه دخل مرحلة مُتقدمة بامتلاك إيران يورانيوم مُخصّب بنسبة تتجاوز الـ«90» بالمئة..
وإذا كان مستشار الأمن القومي الأميركي/سوليفان, قد «اضّطر» إلى وصف الاتفاق بالـ«الإيجابي وهو أمر طيّب»، فإن مجرد اعترافه أول أمس/الاثنين بأن واشنطن «ليست في وضع يسمح لها بالوساطة بين السعودية وإيران»، يعني «عَجزاً» وربما ندماً أو خيبة أمل, لأن واشنطن راهنت على استمرار الخلاف وتعمّقه, على نحو يسمح لها ولإسرائيل باستثماره في مخططات تصعيد التوتر في المنطقة, و«جرّ دولها لاحقاً إلى حرب أو مغامرة أخرى», لن يكون غزو العراق في مثل هذه الأيام قبل عشرين سنة سوى نزهة, مقارنة بالحريق الهائل الذي كانوا في تل أبيب/وواشنط? يخططون لإشعاله, خاصة بعدما غسلت إدارة بايدن يديها من مفاوضات إحياء الاتفاق النووي.هنا يمكن رصد المزيد من إشارات الخيبة عندما أضاف سوليفان القول: إن الولايات المتحدة مُستمرة في «التواصل» مع إيران، لافتاً إلى أنه «لا يُوجد اتفاق بشأن تبادل الأسرى في هذه المرحلة مع طهران»، في محاولة بدت وكأنها تروم إحراج إيران التي كانت أعلنتْ وأكّدتْ «أن كل شيء جاهز لتبادل السجناء مع الولايات المتحدة» مُضيفة أن ذلك يمكن أن يحصل سريعاً إذا كانت واشنطن راغبة في ذلك، فيما سارع البيت الأبيض إلى «نفي» ذلك مُتهماً المسؤولين الإيرانيين بـ"اختلاق الأمور»، وإن كان من المتوقع أن تتم صفقة كهذه قريباً, لكن واشنطن لا ?ريد «الآن» منح طهران ورقة أخرى تُضاف إلى ما يمكن وصفه نجاحها – والرياض برعاية صينية – في تطبيع علاقاتهما.إدارة بايدن قلِقة بعمق إزاء الدور الصيني «الجديد» في المنطقة, والمُرشح للبروز في المرحلة المقبللة, في ظل أنباء تتحدّث عن خطة صينية يتبناها الرئيس/شي جين بينغ تتوخّى عقد قمة خليجية - إيرانية, تأتي تتويجاً أو استكمالاً للاتفاق السعودي - الإيراني الأخير, فضلاً عن جملة دلالات وإشارات أخرى تؤكد قلقاً أميركياً مُتزايداً، تعكسها أقوال متحدث البيت الأبيض/جون كيربي الذي زعم أن «السعودية أبقت واشنطن على إطّلاع بشأن حوارها مع إيران»، لافتاً أيضاً إلى أننا «بالتأكيد نُواصل مراقبة الصين في ما تحاول كسب نفوذ وايجاد موطئ?قدم لها, في أماكن أخرى في العالم من أجل مصلحتها الضيّقة».. مُضيفاً: «لكن في النهاية إذا كان استدامة هذا الاتفاق (السعودي/الإيراني) مُمكنة, بصرف النظر عن الدافع أو مَنْ جلسَ على الطاولة فنحن نرحب ذلك»؟.لا تتفق وسائل الإعلام الأميركية مع المواقف التي عبّرت عنها الدوائر الأميركية وبخاصة البيت الأبيض, التي عالجت «المفاجأة» التي أحدثتها «الرعاية الصينية» لمسيرة التطبيع الإيراني/السعودي, خاصة «تعاظُم الدور الصيني الاقتصادي/والسياسي في الشرق الأوسط على حساب ضعف النفوذ الأميركي في المنطقة", على ما قالت نيويورك تايمز. فيما وصفتْ واشنطن بوست الرعاية الصينية, بأنها «اختراق كبير» لتنافُس مرير, أسهم في تقسيم الشرق الأوسط. في وقت كانت فيه الصين تُعلن السبت الماضي على لسان مُتحدث خارجيتها, أنها «لا تسعى وراء مصلحة أنا?ية على الإطلاق في الشرق الأوسط»، مُؤكدة «إحترامها مكانة دول الشرق الأوسط كسادة لهذه المنطقة»، كما «مُعارضتها المُنافسة الجيوسياسية في الشرق الأوسط، وليس لدى الصين أي نيّة ولن تسعى لملء ما يُسمّى بالفراغ أو إقامة كُتل حصرية» مشيراً في الوقت ذاته إلى أن «الاتفاق السعودي – الإيراني، سيُساعد دول المنطقة على التخلّص من التدخل الخارجي وتحديد مستقبلهم بأيديهم».في السطر الأخير.. تَحفل تصريحات مُتحدث الخارجية الصينية بكثير من الإشارات والرسائل التي تلفِت نظر واشنطن بأن الشرق الأوسط بات أمام مرحلة جديدة, لم تعد الولايات المتحدة وحدها الآمِر والناهي فيها, وأن الوقت حان لأن تتخلّى واشنطن عن سياسة إشعال الحرائق والحروب فيها, كما فعلت منذ منتصف القرن العشرين حتى الآن.* استدراك:قالت صحيفة «وول ستريت جورنال»، إن أطراف الاتفاق السعودي-الإيراني الذي جرى برعاية صينية، تجنّبوا استخدام «اللغة الإنكليزية» في المُفاوضات والمُخاطبات والوثائق. وبحسب الصحيفة الأميركية، فإن الأطراف كافة اتفقوا على «عدم استخدام اللغة الإنكليزية», مُقابل استخدام اللغات العربية والفارسية والماندرينية، والأخيرة هي اللغة الرسمية للصين. علماً أن الصحيفة أوردتْ المعلومة على هامش تقرير, حول «تنامي» النفوذ الصيني في منطقة الشرق الأوسط مُقابل «تراجُع الهيمنة الأميركية».