بإمكان وزير البلديات ان يمنح الانتخابات البلدية دعما اضافيا اذا افرج عما في جعبته من اخبار مستقبلية وحقائق فعلية لواقع ومستقبل البلديات، فالناس حتى اللحظة تتعامل ببرود شديد مع ابرز معركة انتخابية تؤسس لاصلاح سياسي جذري، اذا ما تعاملت الدولة بكل مكوناتها مع الانتخابات بجدية اكبر وبمكاشفة اعلى من حدود اللياقة السياسية الدارجة، فالانتخابات القادمة يجب ان تحقق الفصل الكامل بين التشريعي والخدمي وتكسر عقدة تهميش الاطراف وترفع من نسبة مساهمة المواطن في القرار الخدمي والتنموي.
الانتخابات القادمة نقطة مفصلية في ترسيم العلاقات مع السلطة لخدمة مشروع نهضة الدولة، فالسيولة والميوعة بين الخدمي والتشريعي افقدنا فرصة مجلس تشريعي قوي واجهض وجود مجالس خدمية قادرة على استنهاض الحالة المحلية كل حسب موقعه، فالبلديات باتت كسيرة الحضور والجناح وتنتظر الهبات الحكومية وشطب الديون، والعمل البلدي اصبح وجاهة اكثر منه خدمة تنموية وادارية للمحافظة او للمنطة في امانة عمان، بعد ان بات النائب هو الموكل بالخدمة والتشريع وأظنه اضاع البوصلة وفقد القدرة على التركيز والعطاء فصار يقايض التشريع بالخدمة والرقابة بالمصالح المناطقية والشخصانية .
هجمة الدولة لرفع نسبة المشاركة في الانتخابات النيابية، لا نجدها اليوم في انتخابات اللامركزية والبلدية، وتركت السلطة الحمل كله على الهيئة المستقلة للانتخابات لترويج الانتخابات رغم ان هذا ليس دورها بالمجمل واوكلت وزارة الشؤون السياسية والبرلمانية المهمة لموظفين اداريين وصمتت وزارة البلديات عن التحفيز بتخزين المعلومات بإنتظار لحظة مجهولة حتى تاريخه، مع استشعار غامض لدى الحكومة بأن هذه الانتخابات ربما تحمل نُذر شؤم عليها، رغم ان النجاح في تلك الانتخابات قد يمنحها دفعة قوية تسترد فيها كثير من الخسائر .
صحيح ان تجربة اللامركزية ما زالت غامضة وغير مشجعة في ظل القانون الحالي الذي سحب الكثير من دسم المجلس الخدمي او البرلماني المحلي، لكن ذلك قابل للتطوير في حال تحقيق الفصل الناعم بين الخدمي والتشريعي وسيكون موقف البرلمان لاحقا اكثر صلابة وقوة في اعادة الدسم للبرلمان المحلي لانه طوق النجاة للنائب نفسه قبل اي احد آخر، كذلك يشير واقع البلديات اليوم الى ما هو اعمق من البكب والنظافة، فالدور البلدي تنموي بأمتياز ورئيس البلدية سيكون عمدة المدينة حسب التطور الطبيعي لهذه التجربة التي يجب ان نحرص عليها واظن ان اشارة تقليص صلاحية الحكام الاداريين تشير الى ذلك نسبيا .
الاحباط العام الذي نعانيه اليوم تتحمل السلطة بادواتها المختلفة جزء كبير منه ويتحمل المواطن جزء منه كذلك، فزمن الماء في الكوز والخبز مخبوز انتهى الى غير رجعة حتى لو توفرت الرغبة في ذلك لدى السلطة، وعلى المواطن ان يستشعر ضرورة مشاركته لرسم مستقبله وتوفير الحد الكريم لواقعه، فهو دافع الضريبة وهو مصدر الدخل الابرز للدولة وعليه ان يراقب امواله ويحاسب المقصر، وهذا هو الواقع في كل الدول، فالدولة تتقاضى الرسوم والضرائب والغرامات لتُعيدها على شكل خدمات للمواطن وتلك هي المعادلة بعد انتهاء الدور الريعي للدولة وعدم قدرتها على القيام به الان .
لن يعجب الحديث هذا كثيرون، ولهم اسبابهم وبعضها حقيقي، لكن ليس لنا وطن سوى هذا الوطن ولن نعيش في غيره وسنرسم مستقبله نحن بارادة جماعية، فالناس على قدر احلامهم وليسوا على قدر واقعهم ولعلنا في الاردن اكثر الذين مارسوا هذا السلوك، فاحلامنا الكبرى جعلت من الاردن وطنا كبيرا وفاعلا رغم مساحته الصغيرة وموارده القليلة .
الدستور