ما أن تم الإعلان عن المسلسل التلفزيوني عن معاوية بن أبي سفيان ،حتى اندلعت حرب شرسة على مواقع التواصل الاجتماعي ،استحضرت كل الخلافات العقدية والمذهبية والعرقية ،التي اندلعت منذ خمسة عشر قرنا، وصارت وكأنها بنت زماننا، وكان علي بن ابي طالب كرم الله وجهه ومعاوية احياء بين ظهرانيين والمتتبع الفطن لهذه الحرب الالكترونيه المشتعلة بين من يحسبون أنفسهم على الاسلام،وبعضهم يصنف على أنه من العلماء ،سيصل إلى جملة من الحقائق الصادمة، أولها أنه من المستحيل أن يكون استحضار كل هذا الكم الهائل من الأفلام بما فيها من خطب و محاضرات... هو نتاج عمل أفراد ،بل هو نتاج عمل مؤسسي مدروس ،يجيد الرصد والتوثيق ،كما يجيد اللعب على العواطف والغرائز لجر أصحابها إلى البغضاء والتصادم.
الحقيقة الثانية والتي تؤكد صحة ما ذهبنا إليه، من أن الهدف هو التصادم، أن لا أحد من المشاركين في هذه الحرب الالكترونيه الضروس يبحث عن نقاط لقاء وجوامع مشتركة،فالكل يضرب عرض الحائط بالدعوات لوحدة الأمة وللتقريب بين المذاهب،وبالضرورة بين الأديان. الحقيقة الثالثة من حقائق هذه الحرب ،أنه في ظل انعدام الرغبة في الوصول إلى نقاط اللقاء فقد غابت لغة الحوار،وتم استبدالها بالصراخ والعويل، المشحونين بالشتائم المقذعة،وفي ظل هذه الحقيقة ارتفع صوت الجهالة ،وصار للجاهلين موقع الصدارة. رابع هذه الحقائق أن هذه الحرب الالكترونيه حول علي ومعاوية وعلي صارت غطاء للشعوبية ،فقد صرنا مثلا نسمع ونقرا خطب ومناقشات تتهم الخلافة الأموية بتمزيق الامازيغ وتدمير شمال افريقيا،وبناء القيروان على أنقاض قرطاج ،وان هدف الفتوحات الإسلامية خاصة للشمال الافريقي والأندلس وغيرهما هو المال ولا شئ غير المال،اخطر من ذلك هو الزعم بأنه منذ اللحظة الأولى لوفاة رسول الله عليه السلام كانت خلافات مالية وعرقية وجهوية. الحقيقة الخامسة هي أن هذه الحرب تجاوزت الإساءة لعلي ومعاوية للإساءة لعموم الصحابة ،الى الدرجة التي وصفهم بها احدهم بالنفاق. ووصف مجتمعهم بأنه مجتمع مؤامرات وصراعات على المال والسلطة ،بل ذهب آخرون إلى ماهو أبعد من ذلك وتناول قضايا في صلب العقيدة ،واخرى لها علاقة ببيت النبوة. الحقيقة السادسة من الحقائق المرة لهذه الحرب ،انها وصلت إلى درجة التشكيك بكل المصادر التاريخية للأمة ،اي أنها تشكك في تاريخنا كله ، مما يعني المزيد من هز الثقة بالذات،والمزيد من الضعف والفرقة. والسؤال هو مالجدوى من استمرار الصراع حول علي ومعاوية وقد أفضى كل منهما إلى الله العدل اليقين؟؟