منذ نحو ثلاثة أشهر ونصف تحرك رئيس البرلمان، أحمد الصفدي، داخليا وخارجيا بأكثر من اتجاه، الحركة تبدو مفهومة في سياقات متعددة، منها أن انتخابه للرئاسة حظي بأغلبية برلمانية غير مسبوقة (104 أصوات )، كما أن الورثة التي وجدها على صعيد أداء البرلمان وسمعته لدي الأردنيين، أنعشت فيه مزيدا من الحماسة، ربما فكر بكسر معادلة (سكّن تسلم)، أو وصلته رسائل بضرورة التغيير، أو تحسين الصورة، وربما أراد أن يقدم نفسه كخيار للمرحلة القادمة، مرحلة الحكومات البرلمانية، لكن يبقى السؤال: أين أخطأ وأين أصاب، هل كانت حساباته صحيحة أم لا، ثم هل وقع ب» فخ « الاشتباكات على مواقع النفوذ والسيطرة؟
من المبكر، بالطبع، أن نحكم على تجربة الرجل القصيرة، أو أن نخضعها للتقييم، لكن ما أريد أن أشير اليه هو أن الرئيس الجديد تحرك بسرعة وعجلة أيضا، وراهن على توافقات غير ناضجة، أثارت الغضب أو العتب لدى البعض، كما أنه تصرف مع ملفات معقدة لا تحظى بإعجاب أو موافقة أطراف فاعلة، داخل البرلمان وخارجه، كان يمكن أن تكون خطواته أكثر ثباتا وتأثيرا، لو استبقها بما يلزم من حوارات وتفاهمات، كما أن خطابه السياسي كان يفترض أن يكون معدّا بشكل أفضل.مهمة الرئيس الأولى، كما أكد نفسه، هي إعادة ثقة الأردنيين بمؤسستهم البرلمانية، ما فعله داخل البرلمان -حتى الآن - يصب في هذا الاتجاه بالنسبة لأكثرية النواب، حيث تعدل المزاج النيابي نسبيا، وحيث من المتوقع أن تساهم إعادة الهيكلة بمساعدة النواب والمجلس على تحسين الاداء، المفارقة اللافتة أن ترتيب البيت الداخلي تزامن مع تخصيص الاعفاءات الطبية (عشرة لكل نائب)، كان يمكن للرئيس أن يتجنب ذلك، أو أن يبحث عن ترسيم العلاقة بين النواب والحكومة خارج إطار تقديم الخدمات، التأسيس للعدالة مهم في استعادة الثقة، كما أن إعادة النواب لدورهم الرقابي والتشريعي هو بداية التصحيح.أدرك، تماما، أن الرئيس الجديد يريد أن يترك «بصمة» بعد سنوات طويلة من انتظار الوصول لهذا الموقع، وبالتالي فإنه «يناور» سياسيا: ثلاث زيارات لكل من القاهرة ودمشق وبغداد، محاولات جادة لترتيب الأجواء مع الحكومة والإعلام، ومع بعض نواب المعارضة، مصارحات للرأي العام بالاخطاء ومواطن الضعف، هذا كله مفهوم -بالتأكيد -لكن ثمة محاذير يفترض أن يفكر بها جديا : ملف العلاقات الخارجية، مثلا، مرتبط تاريخيا ببروتوكولات معروفة، فيما الدبلوماسية البرلمانية لها حدودها المقررة، الوعود والمصارحات للرأي العام يجب أن تكون منضبطة بإنجازات ملموسة، التقارب بين البرلمان والحكومة قد لا يصبّ أحيانا برصيد شعبية المجلس، والأهم من ذلك كله أن حركة السياسة في بلدنا محكومة بتوافقات بين إدارات الدولة، واي محاولة لأي طرف بالخروج عنها ستكون غير محمودة النتائج.صحيح، مهمة الرئيس قيادة المجلس، ورفع مستوى أدائه، واستعادة ثقة الناس به، لكن ثمة فرق كبير بين اختزال المهمة كلها بشخص الرئيس وحركته في المجال العام، وبين توزيع المهمات على المجلس للقيام بها في إطار توجه نيابي عام، مدروس ويحظى بالتوافق، المسار الأول سيبقى معرضا للخطأ والانتقاد وتصفية الحسابات الشخصية والسياسية، اما الثاني فيؤسس لحالة برلمانية تسجل للرئيس وللمجلس معا، وتجعلهما أكثر قدرة على الإقناع والتأثير، فقوة الرئيس من قوة المجلس، والعكس قد لا يكون صحيحا.أمام رئيس البرلمان امتحانات صعبة قادمة، وربما فرص أيضا، المؤكد أنه خرج خلال الأيام الماضية، بعد اكثر من واقعة تعرض لها، بما يلزم من دروس، ربما تجاوزها بأقل الخسائر، المهم أن يعرف أين سيضع أقدامه بالمستقبل، وكيف يمكن أن يتجنب النيران الصديقه وغير الصديقة، ثم أن يتصرف بمنطق السياسة والحكمة معا، لا بمنطق التجربة والخطأ، أو عدّ الاهداف، وانتظار تصفيق الجمهور
أين أخطأ الرئيس وأين أصاب؟
مدار الساعة (الدستور) ـ