عن قرب كانت مركبات الوفود الخماسية الأمنية والسياسية تعبر طريق المطار باتجاه مطار الملك الحسين في العقبة، حتى وصلني بيان وزارة الخارجية الأمريكية في هذا الصدد، وقبيل ذلك خرجت التسريبات الأولية لفحوى الاجتماع الذي دعى الأردن له في محاولة لتهدئة الأوضاع وخفض التصعيد، لا أدري مدى دقة خفض التصعيد بالنسبة للإسرائيليين، ولكن البيان خرج ليؤكد الاتفاق على ما قد نسميه هدنة يتحمل وزرها الفلسطينيون الذين باتوا في مصيدة قوات الاحتلال يومياً.
بالطبع قرأ غالبية المتابعين نص البيان الذي أوكل نشره عبر وكالة الأنباء الأردنية (بترا)والذي نص عبر ثماني نقاط فيما يراه الفلسطينيون والأردنيون محاولة لتهدئة الوضع من قبل سلطات الجيش الإسرائيلي ولوقف الاقتحامات والإعدامات المباشرة التي طالت أكثر من خمس وستين شهيدا فلسطينيًا، وكذلك وقف الاقتحامات لباحات المسجد الأقصى وقبة الصخرة، في محاولة للوصول الى تفاهمات تفضي الى سلامة المصليّن والمرابطين في المكان المقدس.الأردن في سعيه الدؤوب لدعم ومساندة الأشقاء الفلسطينيين، لم يأل جهدا لإلزام السلطات الإسرائيلية بوقف كافة أشكال العنف الذي تمارسه ضد المدن الفلسطينية، ولا أكثر ولا أوضح من موقف جلالة الملك عبدالله الثاني في تصديه لدعم أشقائنا، حتى وصلت الأمور قبيل آخر حكومة يرأسها بنيامين نتنياهو في الفترة الماضية الى أن وجه جلالته رسالة حازمة الى نتنياهو لوقف كافة الخروقات التي تنتهك أمن واستقرار الشعب الفلسطيني، مطالباً نتنياهو الكف عن استفزاز مشاعر المقدسيين ومن حولهم من العرب الفلسطينيين، وقاطع نتنياهو حتى خرج من حكومته?السابقة، وكل ذلك دعماً سياسياً وأمنياّ للأشقاء هناك.ولكن في قدوم حكومة جديدة يرأسها بنيامين، والذي جاء مضطراً لنصب جدار يمنع سقوطه في الانتخابات الأخيرة، تحالف مع اثنين من عتاة الشخصيات المتطرفة، يمثلهم بن غفير وسموتيريش، يرى الملك إن عدم التقدم بخطوة استباقية لما سيجري من سفك دماء الشباب الفلسطيني، سيكون كارثة محققة قبيل دخول شهر رمضان وما سيجري فيه من اعتداءات أو مضايقات أو أبعاد للمصلين هناك، ومن هناك جاءت فكرة اللقاء الأمني الخماسي في العقبة لهندسة مرحلة مبدئية تعيد استقرار الوضع في الضفة الغربية، ليس على حساب الفلسطينيين بل لإرغام الطرف الإسرائيلي على ?فاهمات أمنية سياسية تحفظ حرية الفلسطيني ووقف كافة أشكال التهديد العسكري ضدهم.لقاء العقبة الأمني لم يكن التفافاً على الشعب الفلسطيني، بل سند لهم لإجبار المسؤولين الأمنيين الإسرائيليين وهم من كبار القادة في الأجهزة الأمنية هناك، وهذا ما أسفر عن موافقة إسرائيلية قبل أن تكون فلسطينية لرفع الراية البيضاء، والجميع قرأ وفهم فحوى البيان الصادر عن الاجتماع.ولكن وكل مرة يتقدم الأردن بمشروع لوقف الانتهاكات والاقتحامات والقتل المباشر، تخرج على الفور أصوات ومنشورات وبيانات تندد بالدور الأردني، وكأن ناشري الأخبار غير السارة بأيديهم سلطة منع الجيش الإسرائيلي أو هزيمة القوات الأمنية الإسرائيلية ببيانات ولغة التخوين والهمزّ والغمزّ من قناة الأردن، وهذا الأردن هو بوابة العبور المفتوحة على مصراعيها لإخوتنا وأشقائنا في فلسطين، لا يمنعهم ولا يولي ظهره لهم، ويجب على الجميع أن يعيّ مسؤولياته تجاه ألفاظه التي تنز أذى، والدراميات الكاذبة في بكائيات على الشعب الفلسطيني، دون ?ن يقدموا شيئاً، باستثناء الشهداء الذين يدفعون الثمن الغالي من دمائهم وأرواحهم.جملة الحديث هي ما اخترعه البعض من أن اللقاء الأمني الذي دارت عليه الدوائر وألقيت بناء عليه المقالات والحوارات بوصفه إحدى الدسائس والتآمر على الشعب الفلسطيني والقضية الفلسطينية، ولم يكلفوا أنفسهم التحقق من صدق النوايا، وليتخيلوا يوما لو لم يكن الأردن هو الوحيد المساند لأشقائنا هناك، ما الذي كان سيحدث لهم، أما بالنسبة للوصاية الأردنية الهاشمية فهي حق مكتسب منصوص عليه بالاتفاق حسب العلاقة الدبلوماسية مع الكيان الإسرائيلي، مهما جاءت من حكومات في تل أبيب، وسيبقى الشعب الفلسطيني المتشبث بأرضه وتاريخه هو الأصل وه? الرمح والدرع، لا من يجلسون في الأحضان وينكرون الدور الوطني الأردني، الذي قدمه آباؤنا وأجدادنا بأرواحهم على أرض فلسطين وأسوار القدس الشريف.عندما يخرج أولئك المتزلفون لكل دول العرب ويتكسبون من دول الغرب، ثم يتنكرون للأردن قيادة وشعباً ويتهمون القيادة بأن الاجتماع الأمني كان مصيدة للفلسطينيين وأن هناك أسراراً لم تكشف لوأد المقاومة الفلسطينية الباسلة دفاعاً عن وطنهم، فليروننا بطولاتهم في تحرير أرض فلسطين العربية، ونبشرهم بأن ليس هناك أسرار تآمرّية كما يدعون.الرأي