بحسب أمين معلوف وكتابه الهويات القاتلة, لم أجد تعريفا للأردني.. ولكني اعرفه بقلبي وعقلي.. أنا سأخبركم من هو الأردني, هو الذي (لا يصغر أكتافه ولا يحني جبته أبدا).. هو المقدام الجسور, هو الصلب العنيد, هو الذي يحترف الفقر ويحترف معه الصبر.
حين كان العالم العربي يموج بالثورات, وبالأغاني ويتحدث عن رمي اليهود في البحر قدم الأردني (3) رؤساء وزارات كشهداء, وقبلهم قدم ملكا في أقل من (20) عاما–ركزوا معي-.. عبدالله الأول استشهد على أسوار الأقصى, وسبب استشهاده الموقف.. ابراهيم هاشم رئيس وزراء الوحدة, استشهد في العراق غيلة وغدرا.. هزاع المجالي نسفت به الرئاسة.. ووصفي التل سقط في القاهرة شهيدا خضيب الدم, نقي السريرة.. مقداما تلقى الطلقات بصدره.. هل يوجد في العالم كله وطن قدم في أقل من عشرين عاما (3) رؤساء وزارات وملكا كشهداء لأجل العروبة والقضية؟.الأردني هو الوحيد الأعلى مواجهة مع إسرائيل, فمنذ العام (1948) وحتى العام (1968) خاض جيشه ما يزيد عن (70) معركة ومواجهة مع اسرائيل, وقصفت قرانا ومدننا... لم نرفع راية بيضاء, لم نستسلم... هل شاهدتم صورة من صور (البي بي سي) القديمة أو من أرشيف الحروب العربية الإسرائيلية لأردني يرفع راية بيضاء أو يطلب الماء من الصهاينة أو يتقاعس عن القتال... فقد اقرأوا قصة (صالح شويعر) في وادي التفاح.. لو كان صالح أميركيا لأنتجت (هوليوود) ألف فيلم عن بطولته.الأردني هو الوحيد الذي تفرد جيشه بالقتال على كل الجبهات العربية, هل يوجد جيش في عالمنا العربي حمى حدود الكويت وقاتل في سلطنة عمان واستبسل في الجولان وقاتل في فلسطين, وحمى جبال اليمن... هل يوجد جيش في العالم العربي خاض معارك شرسة على هذه الأراضي غير جيشنا..الأردني هو الوحيد الذي لا تقع عاصمته على نهر أو بحر, هو الوحيد الذي ولد على أرض من دون نفط أو ماء وأكثر من 90% من مساحتها تغمرها الصحراء, مع ذلك بنى أفضل نظام صحي في العالم العربي, بنى أفضل جيش, أفضل جامعات.. أفضل فنادق وشبكات طرق وبنى أشرس إنسان وأكثرهم تنويرا وحبا للعلم...الأردني هو الذي شكل الجبل سلوكه فكان صلبا عنيدا, كل مدنه بنيت على الجبال في ذات الوقت كان العشق ديدنه لهذا ولد وفيا للعشيقة وللتراب وللعشيرة والتاريخ... والأردني هو الذي استقبل كل شقيق عربي استقبل العراقي والسوري واليمني والصومالي والليبي.. وفتح أرضه ومستشفياته وجامعاته لهم, وقاسمهم الخبز والماء.. لم يمن على أحد في اعلامه ولم يخدش كرامة شقيق بل حفظ لهم الكرامة, ولم يتعب.. بل ظل (جمل) العروبة الذي كلما زاد الحمل عليه شق الدرب بعنفوان أكبر.كل ما قلته هو القليل بحق الأردني, فلا نصغر أكتافنا.. لأن كل من حاول أن يصغرها فشل, وكل من حاول أن يحشرنا في زاوية الوطن المتعب, هو الاخر فشل.. كم كنت اتمنى من المفكر اللبناني أمين معلوف أن يسبر أغوار الهوية الأردنية.. الهوية الشرسة المقاتلة التي تجاوزت الجغرافيا والعرق في تشكيلها, وبنيت على السيف والقبيلة والأرض والدم والمعركة.ذات يوم سيقف الأردني, أنا مؤمن بذلك.. سيقف من جديد, وطنا يتصدر العرب في الكفاح والعطاء, ويعلمهم كيف تتشكل الهوية من الصخر, وكيف نمشي على نصل السيف ومع النزف نسير الدرب احتمالا لا تذمرا أو خوفا.Abdelhadi18@yahoo.com
