مدار الساعة - كتب عواد الخلايلة
لقد تسببت المزاعم الأرمنية في المئوية العشرين بالأراضي الخاصة بالامبراطورية العثمانية والأتراك الأذربيجانيين في الاشتباكات الدامية. في الواقع، كان الأرمن يسعون من وراء تلك المزاعم الى تنفيذ الخطة الماكرة "أرمينيا الكبرى من البحر الى البحر". وقد كتب الأديب الشهير عمر فائق نعمان زاده في جريدة "إرشاد" في عام 1905 "أن الأرمن، سوف يحاولون طردنا من إيراوان وقره باغ وقارص لغاية تحقيق خططهم. سوف يتعمدون إثارة المسلمين ضدهم، وبالتالي، سوف يمهّدون لهجمات المسلمين عليهم ووقوع خساراتهم أكثر من المسلمين. ومن ثم، سوف يسترعون اهتمام كامل أوروبا إلى كونهم شعبا معَّذبا. يتدرجون في إعداد الخطط لجرائمهم، ويبحثون عن طرق لتنفيذها". وكانت هذه النوايا بالتحديد، موجهة ضد الأذربيجانيين بالذات تاريخيا. لم ينج الشعب الأذربيجاني من الويلات والمصائب التي ألحقوها به. إراقة الدماء في عام 1905، وتكرارها في 1918، وتهجير الأذربيجانيين من أذربيجان الغربية فيما بين 1948-1953 وصولا الى احتلال قره باغ الجبلية في مطلع التسعينيات. وأثبتت كل تلك الأحداث مقولة رائجة بين الشعب الأذربيجاني "لا صديق من عدو قديم". طريق يؤدي الى مأساة خوجالي لم يكن من باب الصدفة إطلاقا وقوع خيار الأرمن على خوجالي ضمن الأهداف الأساسية على خلفية صراع قره باغ الجبلية وذلك لإزالة الحاجز الجبلي ذي الشأن الإستراتيجي والذي كان الأذربيجانيون يسيطرون عليه من جهة وتسوية مدينة خوجالي بالأرض بشكل عام من جهة أخرى. وقد وضع الشوفينيون والمنظرون الأرمن نصب أعينهم هدفا بعيد المدى مع ارتكاب مذبحة خوجالي ذات قلة الاشباه في التأريخ العالمي من ناحية حجمها وفظائعها؛ إذ أنهم سعوا للاستيلاء على قره باغ الجبلية والأراضي الأذربيجانية الأخرى، وكسر عزيمة الشعب الأذربيجاني في سبيل الاستقلال وسلامة التراب. لقد انطلق الطريق المؤدي الى فاجعة خوجالي في شهر فبراير عام 1988 في مدينة خان كاندي (عاصمة قره باغ الجبلية) بواسطة مظاهرات الأرمن الذين كان استقلال قره باغ الجبلية يتصدر مطالبهم، الأمر الذي قاد الى تشكل الوضع المتناقض والمعقد للغاية في غضون أعوام 1988-1991. وتعرض الأذربيجانيون في أرمينيا وهي موطن أجدادهم للتهجير القسري والوحشي، بينما كان الأرمن يتسلحون بشكل جماعي، ويقضون على الأذربيجانيين، ويشردونهم من مواطنهم. عشية وقوع الأحداث، احتضنت قره باغ الجبلية 78 قرية أذربيجانية التي شهدت أغلبية ساحقة منها، وهي نحو 68-70 قرية، التسوية بالأرض على أيدي المعتدين الأرمن. نضوج مذبحة خوجالي استكمل المعتدون الأرمن فرض الحصار البري على مدينة خوجالي في أكتوبر عام 1991، مما عرقل وصول الأسلحة والذخائر والسلع الغذائية وغيرها إلى قوات الدفاع الذاتي. واستضافت المدينة آخر هبوط الطائرة العمودية في 28 يناير عام 1992 قبيل انقطاع العلاقة الجوية نهائيا بسبب إسقاط الطائرة العمودية فوق سماء مدينة شوشا الذي أسفر عن العدد الكبير من القتلى. ثم باشر المعتدون الأرمن وقطاع الرؤوس قطع الكهرباء عن المدينة وتشديد الحصار. وبدءاً من المنتصف الثاني من شهر فبراير، شرعوا في الاستهداف اليومي لخوجالي بالمدافع والآليات الثقيلة. وعند حينونة 18 فبراير، احتلّوا جميع القرى في اتجاه خوجالي والمواقع على المرتفعات، ما فاقم الوضع المتوتر في المدينة أكثر. مذبحة خوجالي – يوم دام في ليلة 25 فبراير عام 1992 في الساعة 23:00، بدأ الأرمن بدعم من الفوج الـ366 السوفيتي بالتموقع حول مدينة خوجالي، ومن ثم بإطلاق النيران الكثيفة من راجمات "غراد" و"آلازان" على المدينة دون انقطاع. في ذلك الوقت، كانت المدينة شبه خالية من الدفاع بغض النظر عن قوات الدفاع الذاتي المتسلحة بالأسلحة الخفيفة. بلا شك أن هذه القوات، وجدت نفسها عاجزة عن مقاومة الوحدات المسلحة المزودة بأحدث الآليات العسكرية، والتي تلقت تدريبات خاصة. فقد عم لهيب النيران مدينة خوجالي بأكملها، الأمر الذي أجبر سكانها العزل على التوجه نحو الغابات في الليلة القاتمة، حيث لم يستشعروا ما كان يتربص بهم. لقد استقبل المغتصبون وقطاع الرؤوس الأرمن الشيوخ والنساء والأطفال هم الآخرين بوحشية وعنف فاق المخيلة الإنسانية، مما أدى الى مقتل 613 شخصاً، من بينهم 106 امرأة و63 طفلا و70 شيخا وأسر 1275 شخصا وإعاقة 487 فردا وفقدان 150 نفرا، حيث تعرض الأسرى لأبشع وأرعب أشكال وأنواع التعذيب. كما لحق الدمار الشامل بـ105 منشآت عامة و3200 مسكن و14 مدرسة و21 ناديا اجتماعيا و29 مكتبة و3 دور ثقافية ومتحفاً للتاريخ والاثنوغرافيا عدا المقامات والمزارات والمقابر العائدة الى القرنين الرابع عشر والخامس عشر. إن مذبحة خوجالي أصبحت بمثابة نقطة الانطلاق لخسائر أكثر حجما؛ فالمئآت من الأذربيجانيين استُشهدوا دفاعا عن أراضيهم الأم وكرامة شعبهم. أما التقييم القانوني-السياسي للمذبحة، فلا بد أن استذكر قرار المجلس الوطني في جمهورية أذربيجان عن 24 فبراير عام 1994 بمبادرة القائد العظيم حيدر علييف، حيث يتم بموجبه إحياء ذكرى مذبحة خوجالي في 26 فبراير من كل عام. وانتهازا لهذه الفرصة، أريد أن أشدد على بيان مجلس الأعيان الذي أصدره في عام 2013، والذي يدين فيه مذبحة خوجالي، ما لقي ترحيبا واسعا في جمهورية أذربيجان دولة وحكومة وشعبا.