المبدعون الكبار في أي بلد (والأردن واحد منها) قلائل. وفي عالم الطب، يتقلص عدد هؤلاء المبدعين إلى حدود دنيا. والأطباء المبدعون الرياديون بين هؤلاء (وفي الطليعة منهم الأستاذ الدكتور زيد الكيلاني) لا يتجاوزون عدد أصابع اليدين، وربما اليد الواحدة! ومن هنا، اختار المرحوم جلالة الملك الحسين، وخليفته جلالة الملك عبدالله الثاني تكريم (د. زيد) حبيب العرب بعامة، وحبيب الأردنيين والفلسطينيين بخاصة، بعد أن غدا لهم مفخرة بإبداعه أولا، وعطائه ثانيا، وتضحياته ثالثا. وحقا، أهدى (د. زيد) الجميع الكثير من العلم الريادي الذي فرج عن هموم الكثيرين على امتداد الشرق الأوسط، وأدخل السعادة إلى قلوب الألوف من العائلات العربية (بل وغير العربية) ثم أهداهم صرحا طبيا متكاملا (مجمع فرح الطبي) العتيد ذا الترتيب السادس عالميا.
هذا الرجل/الإنسان والباحث المبدع والصديق الأثير، وعلى مدى أربعين عاما، أذهلني (منذ اللحظات الأولى لتعرفي عليه) بإصراره على مطاردة حلم متعدد الأغراض، راوده على نحو مبكر (التقدم في معالجة العقم، وإخصاب الأجنة... وكل ما هو متعلق بذلك). ولطالما انزرع في خلايا دماغي يقين بأن كل حالم (في أي مجال من مجالات الحياة) هو، بالضرورة، إنسان مغامر. وفعلا، غامر د. زيد الكيلاني بكل ما يملك من مال وجهد وراحة، ثم–وهو الزوج/ الأب المحبّ–خاطر بما هو أغلى من المال، وأقصد «راحة بال» زوجته وابنته (فرح) وابنائه (سند وكرم وشرف). ول?لا تفهم هؤلاء جميعا، بل مبادرتهم إلى احتضان حلم الزوج/ الأب، لما تحقق الحلم على أرض الواقع، ولما تغلب على كل المعيقات العلمية والمالية والإدارية، بل وكل المقاومات العنيفة (حرق عيادته مرة، وحرق مستشفاه مرة إضافية) ثم جاء دور رأس المال.كان طبيعيا أن يرافق كل هذه الانجازات الحاجة للحصول على قروض من البنوك التي أرهقت كاهل (د. زيد) الذي كان دوما واثقا من القدرة على تخطي «التحدي المالي» وسداد تلك القروض لولا الجائحة اللعينة (الكورونا). بعدئذ، اشتدت الضغوط المالية مع تزايد الفوائد ونقص العوائد، ثم جاء رحيله المؤلم عن عالمنا بعد أن اذاب صحته وعافيته في «جهاد الريادة» والابداع. ونحن إذ لا ننكر حق «سلاح القانون» لدى البنوك، لكننا نأسى ونحزن (حد الفجيعة) حين لا يتبقى في الجعبة سوى تهديد الانجاز الحضاري للدكتور زيد (مجمع فرح الطبي) علاوة على التحف? على أملاك الورثة الذين عانوا الأمرين في رحلة الإبداع على مدى سنوات طوال!!!ومن أجل تكريس تكريم جلالة الملك للمبدع د. زيد الكيلاني، وكي ترتاح قلوب الكثيرين في الأردن والوطن العربي، وللحفاظ على المنجز الحضاري (مجمع فرح الطبي)، والحفاظ على حرية وكرامة عائلة الكيلاني العريقة والمخلصة، نتمنى على الحكومة تقديم «روح القانون» على نصه، والإيعاز – حسبما يلزم – إلى إيجاد حلول مالية واستثمارية مبدعة لهذه القضية المؤلمة. فهل نرى حلاً إبداعيا ينصف روح المبدع د. الكيلاني؟
هل من حل إبداعي ينصف روح د. زيد الكيلاني؟
مدار الساعة (الرأي) ـ