أخبار الأردن اقتصاديات دوليات مغاربيات خليجيات وفيات جامعات برلمانيات وظائف للأردنيين رياضة أحزاب أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مقالات مختارة مناسبات جاهات واعراس الموقف شهادة مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

الوزير الذي يقرأ


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

الوزير الذي يقرأ

مدار الساعة (الرأي) ـ
كلما ذهبت لمازن الفراية, يسألك عن اخر كتاب قرأته... أنا لا أنكر أنني اخر مرة قمت بزيارته أحضرت له هدية (شوال كتب), حتى لا يسألني...
الرئيس يمتلك ذات الصفة, اخر مرة جلسنا معه برفقة مجموعة من الزملاء, حدثنا عن (علي الوردي).. وعن مؤلفاته.. واستشهد بجملة من كتاب لعلي الوردي (مهزلة العقل البشري)..زمان كان الوزراء في الحكومات يشكلون حالات من الوعي وتشعر أنهم يمتلكون رصيدا هائلا من الثقافة، أنا لا انسى وزير الثقافة الأسبق (نبيه شقم), والذي حين تجلس معه تشعر أنك في مكتبة متنقلة, فهو حين يتحدث عن (نيتشه) تكتشف أنه يغوص في العمق, وحين يتحدث عن عبدالرحمن الكواكبي تشعر أنه يقرأ من كتاب طبائع الاستبداد, وحين يتحدث عن ميشيل فوكو.. تحس أنه يتفنن في انتاج نظريات النقد الاجتماعي.ما زلت اتذكر أيضا, عبدالكريم الدغمي في أعلى تجلياته... فذات مرة اكتشفنا بأنه يحفظ ديوان مظفر النواب عن ظهر قلب, ومازلت اتذكر جلسات (خالد الكلالدة) حين يحدثك عن نشأة اليسار وعن الديالكتيك..القاعدة الأساسية في تشكيل الوزراء, ليست الأحزاب, ولا الجغرافيا أو العشيرة الأصل أن تكون الوعي والثقافة, ومادون ذلك يصبح عبئا على الدول, وليس أدل على ذلك من محمد حسنين هيكل.. الذي دخل السلطة في عهد جمال عبدالناصر, وحين خرج منها ظل مرجعية مصر في السياسة, وظل مصدر التنوير للعالم العربي.. كان حين يطل على الشاشة نتسمر أمامها لأننا في داخلنا ندرك أن ما يقوله هيكل هو الحقيقة.أحزن على الحال الذي أوصلتنا له حكومات متعاقبة, في ذات الوقت أفرح حين أجلس مع وزير من خلفية عسكرية مثل مازن الفراية, واكتشف أنه يجيد الإنجليزية بطلاقة، ويتحدث الفرنسية أيضا.. وحين تزوره يسألك عن الكتب وعن.. أمين معلوف, وعن نظرية الجهل المؤسس.. وعن تشومسكي, وأفرح حين نجلس مع رئيس الوزراء ويقدم لك تأصيلا مبنيا على وعي وثقافة, عن نشأة الفرق الدينية في العالم العربي, ويضع لك خطا فاصلا بين الظرف الإجتماعي وبين الاجتهاد والشرع... الأصل حين قال الرئيس جملته المشهورة: أجمل الأيام هي التي لم تأت بعد, الأصل أن نفرح كون رئيسنا يعرف الشاعر التركي العظيم (ناظم حكمت) واستشهد به, وقرأ قصة اعتقاله.. وكيف ألهمت هذه القصيدة التي كتبها في السجن, اليسار كله في العالم وكانت سببا في خروجه, لكننا للأسف أخذنا النص المجرد... (وهبرنا) الرئيس, دون أن ندرك أن القصة هي استشهاد بقصيدة شكلت حالة ملهمة لملايين الشباب في العالم, وكانت الحلم الذي تحقق بالنسبة للشاعر.المثقفون في الأردن مثل هاشم غرايبة, موفق محادين, سعود قبيلات, مفلح العدوان.. المثقفون الحقيقيون الذين يستطيعون قراءة حركة المجتمع, ويستطيعون تصويب القرار السياسي, للأسف يقاتلون في الحياة لأجل نشر كتاب هنا, أو لأجل المشاركة في ندوة هناك... ولا تجدهم في أروقة رئاسة الوزراء, بالمقابل تجد عشرات النواب يحملون مغلفات تحوي طلبات توظيف, ومعاملات تحتاج لتوقيع.الدولة حين تتحالف مع الوعي ومع المثقف الحقيقي تنجح, والدولة حين تستمع للمثقفين تستطيع أن تجري تقييما لحركتها وواقعها, هم أشبه بالمرايا التي تجعلك ترى وجهك وتكتشف ما فيه من جمال وما فيه من قبح إن وجد, وهنا تكمن علة كثير من الحكومات.Abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة (الرأي) ـ