أخشى ما أخشاه أن نُدرج الصرخة التي اطلقها الطالبان (ايهم وراشد )، في رسالتهما لوالديهما، وللمجتمع والدولة أيضا، في أدراج اللا مبالاة، أو في خانة (وأنا مالي ؟)، كما أدرجنا، على مدى السنوات الماضية، صرخات الانتحار والمخدرات، والتعليم الرديء، والبطالة والفقر، وغيرها من الصرخات والأزمات، والنصائح و النقاشات، التي ترددت في فضائنا العام، وعكست حجم التحولات الكبرى التي عصفت بقيم مجتمعنا وتقاليدنا وتديننا، وعلاقاتنا مع بعضنا، ومع اداراتنا ومؤسساتنا العامة.
أخطر ما حملته الرسالة، بصرف النظر عمن كتبها، وما سبقها من أحداث، ثم ما تلاها من تداعيات، هو أن أبناءنا كسروا عصا الطاعة و» ريموت» الوصاية، وخرجوا على السلطة الأبوية والمدرسية، والاجتماعية والسياسية، فعلوا ذلك تارة بدافع الرفض لأفكارنا وواقعنا، وثقافتنا السائدة، وتارة أخرى بدافع الانتقام منا، أو البحث عن عالم خاص لهم، يصنعونه بأنفسهم، وإن شئت الدقة، فإن مجتمعنا تنازل عن سلطته للأجيال الجديدة : الأسرة والمدرسة والجامعة وغيرها من المؤسسات فعلوا ذلك، رغما عنهم او بارادتهم، بالصدفة او بفعل فاعل مجهول، المفارقة أن هذا تزامن مع غياب الفاعلية الاجتماعية، والعافية العامة لإدارة الدولة ونخب المجتمع، وبالتالي أفرز الحالة التي عبر عنها الشابان في رسالتهما، وفي هروبهما ايضا.السؤال : لماذا كسر أبناؤنا عصا الطاعة، والوصاية، او أصبح لديهم -على الاقل - الرغبة بالتحرر منهما، هل فشلنا، فعلا، في تربيتهم وتعليمهم بما يتناسب مع عصرهم، هل شعروا بالخيبة والخذلان مما نحن فيه، هل فتحوا أعينهم على عوالم أخرى أدهشتهم، وربما ألهمتهم، هل فقدوا الثقة بكل من حولهم، هل كذبنا عليهم، ثم اكتشفوا أن حبالنا مقطوعة ؟الإجابة معروفة سلفا، لكنني أقصد من كل هذا أننا، المجتمع والدولة، نتحمل مسؤولية ما حدث لابنائنا، وسنتحمل نتائج ذلك أيضا، هذا ما يجب أن نستدركه، لان ما فعلنا بهم سيصب في رصيدنا، وسندفع ثمنه، عاجلا أم آجلا.جردة واحدة لحساباتنا في كافة القضايا التي تهم الشباب تكفي لفهم ما حدث لابنائنا، سواء بسبب تقصيرنا في إبراز ما أنجزناه، أو فشلنا في الإجابة عن أسئلتهم، وتطمينهم على حاضرهم ومستقبلهم، خذ، مثلا، من يلهم أبناءنا، وأين، ومن، هي الشخصية الوطنية القدوة التي تمنحهم الهمة والأمل، لقد هرب الشابان اللذان صدمتنا قصة خروجهما إلى كتاب ملهم (الأب الغني والأب الفقير)، كما ذهب بعض أبنائنا الآخرين لنجوم الطرب واللعب، والتمثيل وأفلام الإثارة والرعب، لاستلهام قيمة الحياة، ومعنى المستقبل منهم، فيما بلدنا مازال عاجزا عن إنتاج الملهم والرمز الوطني، القادر على جذب جماهير الشباب، والأهم الملهم «المؤسسي» الذي يستطيع انتزاع ثقتهم واعتزازهم به.خذ مثلا ثانيا، ما الهدف الذي يفكر أبناؤنا بإنجازه، أخشى أن أقول : إن معظم الشباب أصبحوا اليوم بلا هدف، وبلا مستقبل، بعضهم كفر بالشهادات وبالتعليم، واصبح يفكر بالحصول على المال بأية وسيلة، آخرون قرروا الهجرة للخارج، مجرد الحصول على تأشيرة الهجرة اصبح حلما لآلاف الشباب، حالة التيه هذه، يفترض أن تحرك فينا الخوف على هذا الجيل الذي لم نفلح بوضع ما يلزم من خرائط تدله على الطريق الصحيح، أو تجدد فيه ثقته بنفسه وبلده.بقي لدي كلمة أخيرة لابنائنا، صدقوني، بلدنا مازال بخير، كل ما يحتاجه أن نخرج جميعا من دائرة الشك والخوف، واليأس والسواد، والعجز والتخبط، ثم نلتقي على مشتركاتنا الوطنية التي تسعفنا في بناء غد يليق بنا، نحن، الدولة بإداراتها والمجتمع بنخبه، قادرون -إن اردنا - على إحياء همة أبنائنا، وزرع الأمل في قلوبهم، وتطمينهم على مستقبلهم داخل وطنهم، نحن نستطيع ( متى تحررنا من عقدنا الاجتماعية والسياسية ) أن نقدم له قادة وقدوات ملهمين، ومشروعات يستثمرون فيها طاقاتهم، وخدمات عامة تساعدهم على الاحساس بالتقدير، وتحفظ كرامتهم، لكي يخرجوا من محنتهم، التي هي محنتنا جميعا، فهل نتحرك؟ قولوا آمين
انتبهوا.. أبناؤنا كسروا عصا الطاعة
مدار الساعة (الدستور) ـ