أقيم مؤخرا في المركز الثقافي الملكي حفل إشهار كتاب (الشيخ المجاهد حديثة الخريشا) للمؤلف المهندس فتحي الخريشا.
لم أتمكن من حضور الحفل, ولم أقرأ الكتاب للان... ولكني أعرف الكثير عن الشيخ المجاهد حديثة الخريشا, وأعرف أن شيوخ العشائر في الدولة الأردنية كانوا قادة التنوير واحترفوا السياسة مبكرا وأعرف أن الزعامة العشائرية كانت مؤسسة مهمة جدا - وما زالت - وقد تفوقت في وعيها القومي ونبضها الإسلامي على الأحزاب والجمعيات... لأن المبادئ كانت روحها بالمقابل انحازت بعض الأحزاب للبرجماتية السياسية والمكاسب الوظيفية.كتب (إليك كيركبرايد) مؤلفا مهما جدا, عن الأردن مطلع القرن الماضي وقصة التأسيس اسماه (قعقعة الأشواق), تحدث فيه عن العشيرة وقوتها... حين قرأت الكتاب, ونظرت لزمن حديثة الخريشا.. أيقنت أنه لم يكن شيخا فقط وإنما قائدا عسكريا لايعصى أمره, فالعشيرة في ذلك الوقت كانت قوة اجتماعية وقوة مقاتلة أيضا... لكن بعض الإلتباسات تحدث عند البعض بين إلن وإليك.. إليك هو مؤسس حكومة مؤاب أما الثاني فقد أسس حكومة عمون عام 1922 وهما أشقاء..جاءوا للأردن مبكرا, غير أن (إليك) هو المؤرخ الذي امتلك نظرة ثاقبة وقراءة للمجتمع أعمق بكثير م? غيره.الخريشا وقبل تأسيس الدولة الأردنية وصلوا العراق في حركتهم, ولم تكن في إطار الغزو فقط، وإنما كانت في إطار الاستكشاف والبحث عن نفوذ, وبريطانيا أدركت في ذلك الوقت أن هذه القوة العشائرية الإجتماعية والعسكرية كانت تمثل تهديدا للدولة الجديدة الناشئة في العراق, تخيلوا أن قبيلة هددت دولا في المنطقة لا بل اشتبكت معها.. والخريشا كانوا في طليعة الذين تصدوا لغزوات (الخوين) ولولا قبيلة بني صخر وتحالف العشائر الأردنية, لوصلوا الشام... فقد كانت هدفهم, لقد دفع الأردنيون وفي طليعتهم الخريشا لأجل الحفاظ على الأرض الأردنية د?ا هائلا.. وانتصروا حين أوقفوا هذا المد الذي اتسع كثيرا..قراءة شخصية الشيخ حديثة تعتبر ظلما إن حصرناها في الجغرافيا الأردنية, لقد كان الإنجليز يخشونه.. لما يمتلك من قوة ومن مقدرة هائله على الحرب, هو في طليعة الناس أيضا الذين وظفوا قوة العشيرة لأجل القتال في فلسطين, ولأجل الهم القومي ولأجل نصرة سوريا ودحر الإحتلال الفرنسي...حين تغوص في كتاب (قعقعة الأشواك), ستكتشف أن قبيلة أردنية قاتلت دولة.. ستكتشف أن الشخصية الأردنية لم تتشكل في المكاتب والبيروقراط, بل تشكلت على حواف السيف والوعي والهم القومي... ستكتشف أيضا أن الهوية الأردنية, كانت مستقلة وواضحة وبارزة.. ولم تكن مبهمة أيضا, بل هي هوية شكلها المكان واللغة والدين والعشيرة.. كل هذه العناصر ساهمت في ابرازها حتى قبل تأسيس الدولة, وستكتشف أن حديثة الخريشا لم يكن شيخا فقط, وإنما كان سياسيا عبقريا, وهو من الذين أرسوا مداميك الدولة... ومشى في مظلتها وقبل بالبيروقراط والقانون والنظام?في الحديث عن الشيخ المجاهد (حديثة الخريشا), لابد أن نقرأ التاريخ من زاوية أخرى مغايرة لما يروى... فهؤلاء الناس, شكلوا الهوية الوطنية وأبرزوها... شكلوا قوة شرق الأردن قبل تأسيس الدولة حتى, وانخرطوا في تأسيس القانون والنظام الإداري الذي ينظم العلاقات بين الناس.. والأهم أنهم رفعوا مداميك الدولة عاليا, وحموها في اللحظات العصيبة.من هو مثل حديثة الخريشا, لا أظن أننا نحتاج لقراءة شخصيته من خلال احتفال وإصدار كتاب فقط.. بل نحتاج لأن نؤسس مادة للتاريخ الوطني الأردني, كي يتعلم أولادنا في المدارس قصة هذا البلد الذي بني على حد السيف وأطراف العقال.. والذي دفعنا دما ورجالا لكي نؤسس له وجودا وحضورا بهيا في الإقليم والعالم.Abdelhadi18@yahoo.com