ليس غريبا أن يتعرض وزير الزراعة الى هذا الهجوم الكاسح الذي تعرض له مؤخرا، فهو اراد ان يعمم نموذجا جديدا في الادارة العامة غير انه لم يلاق استحسان الكثيرين وتحديدا المتنفعين ورواد الواسطات والمحسوبيات ومن لا يجيد سوى اللعب بالبيضة والحجر ومن اعتادوا على ان مؤسساتنا مسرح لممارسة هواياتهم والتي يبدو انها لن تتوقف ابدا الا اذا عمم هذا النموذج على كافة مؤسساتنا؟.
هذا الوزير ومنذ أن تولى هذه الوزارة بدأ بنبش عش الدبابير وتعكير صفو بعض المافيات في القطاع الزراعي والذين اعتادوا على ممارسات اقل ما يقال عنها استباحة لكل ما هو عام بالواسطة والمحسوبية والرشاوي، لتبدأ بعدها لسعات الدبابير السوداء تنهال عليه من كل صوب واتجاه وبهدف تشويه صورة هذا النموذج الشاب الذي عزم على ان يبدأ بتعليق جرس الاصلاح الاداري، حاملا شعار «لن استرضي احدا وحاسبوني على عملي وادائي » و هذا النموذج هو ما نسعى اليه في جميع مؤسساتنا ووزاراتنا، وباستثناء ذلك لن تنجح اصلاحاتنا وعمليات التحديث لدينا على?الاطلاق.ان قيام وزير الزراعة برفض التوسط هو مقدمة للاصلاح الاداري الذي ننشده ونسعى اليه، ولعل مكافحة الواسطة والمحسوبية ابرز ما نسعى اليه في هذا الاصلاح بالاضافة الى مكافحة البيروقراطية وغيرها من المعيقات التي تقف امام النمو الاقتصادي والتطور الذي نمضي باتجاهه، ومن هنا فان تنفيذ عملية الاصلاح والتحديث الاداري ستواجه بطابور خامس شديد القوة وهجوم مستمر بهدف افشاله وافشال كل من يسعى اليه، وهذا يتطلب دعم موظفي الجهاز الحكومي في مواجهة المتنفعين والمتكسبين من هذه الفوضى الادارية الى حين ان يعتادوا من جديد على سلوك المس?ب الصحيح وفق القانون والعدالة، وخاصة اذا ما تصالحنا مع انفسنا واعترفنا بان الواسطة والمحسوبية اصبحت تسير في الدماء لدى البعض وتحديدا في القطاع العام الامر الذي انعكس رضى للمتنفعين وغضبا للمحرومين.وكما انه نجح في تأطير محاربة الواسطة ومبارزة الفاسدين في هذه الوزارة، سيسجل له ايضا انه عمل على اخراج وزارة الزراعة من عباءتها الكلاسيكية التي اعتدنا عليها طيلة السنوات الماضية وانتهج نهجا جديدا قائما على التحول من الإنتاج الزراعي التقليدي الى غير التقليدي من خلال إدخال مفهوم الصناعة الزراعية التحويلية والتي ستساهم برفع القيمة المضافة للزراعات التقليدية والرئيسية واسس شركة للتسويق الزراعي وهذا ما سينعكس على واقع صغار المزارعين وتعظيم الفائدة لهم من تلك الزراعات وتشجيعهم على التنوع فيها وزراعتها، ويسعى الى ?ذب المستثمرين من خلال المدينة الزراعية الصناعية في منطقة الاغوار وصولا الى تحقيق الامن الغذائي والاكتفاء الذاتي منها و الذي هو احد ابرز ما جاء في رؤية التحديث الاقتصادي.لربما يعتقد البعض انني هنا ادافع عن شخص بعينه او وزير بعينه وهذا ليس صحيحا على الاطلاق، بل ادافع هنا عن نموذج نحتاجه في اداراتنا العامة ويجب علينا تعميمه وتعظيمه والاشارة اليه وخاصة اننا امام مرحلة مهمة ننطلق بها تجاه المستقبل متسلحين برؤية تحديث اداري واقتصادي وسياسي، وكل هذا لن يتحقق الا بمحاربة الفساد والواسطة والمحسوبية اولا ووأدها، واما اذا استمرت هذه الممارسات فلن نفلح ولن ننجح في الوصول الى مبتغانا ولهذا ادعم هذا النموذج دون استحياء وادعو الى تعميمه لا محاربته.