اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

‏هكذا تتشكل الأحزاب وتتصرف


حسين الرواشدة

‏هكذا تتشكل الأحزاب وتتصرف

مدار الساعة (الدستور) ـ نشر في 2023/02/09 الساعة 01:06
تتشكل الأحزاب في العاصمة عمان، ثم تتمدد إلى الأطراف، على خجل، لملء خزانات العضوية، امتثالا لقانون الأحزاب الجديد، صحيح الجغرافيا الحزبية موجودة، لكنها تبدو مشوّهة، خذ -مثلا - الأحزاب الوليدة، ستكتشف أن الذين يتصدرون المشهد يتوزعون على جغرافيا محددة، المدن الكبرى الثلاثة، فيما تبدو المحافظات الأخرى «مجدبة»، وكأن أرحامها عقمت أن تلد زعامات حزبية، الحضور النسائي، أيضا، متواضع، لا يوجد امرأة تجلس على مقعد امانة أي حزب.
سيكولوجيا الأحزاب، أو أن شئت، نفسية بعض القائمين عليها تبدو مشوهة أحيانا، الذين قفزوا إلى المقاعد الحزبية، أو جلسوا في قمرة القيادة خلف الدفة، تسمّروا على مقاعدهم، وأحكموا قبضتهم على «المقود «، ورفضوا أن يتنازلوا عن القيادة والزعامة، وفي احسن الاحوال تبادلوها فيما بينهم، وهكذا تحولت بعض الأحزاب إلى ملكيات عقارية، لا تتغير وجوه الذين يتقدمون صفوفها الا إذا انفجرت براميل الصبر، عندها يتحول الإخوان والرفاق إلى أعداء.
على عتبة بعض الأحزاب يقف الشباب جاهزين لحمل أوامر الكبار و مقرراتهم، يعتقدون ان مشروع الحزب يستحق أن يضحوا من أجله بوقتهم وجهدهم، وربما بما لديهم من أموال قليلة، الشباب مجموعة من «الشيّالة»، أغلبهم يتوقدون حماسا، وإيمانا بالفكرة والصالح العام، لكنهم يكتشفون، فجأة، أن قدرهم الحزبي فرض عليهم أن يبقوا جالسين على العتبة إلى الأبد، فالزعامة (مجازا هنا ) لا تسمح لهؤلاء بالدخول للمواقع العليا، الشباب، في نظرهم، سيبقون قليلي خبرة، حتى لو تجاوزت أعمارهم الخمسين عاما، ببساطة لأن صلاحية الكبار تمتد لنهاية العمر.
اغلبية الأحزاب تبدو صورة مطابقة، تماما، للإدارات العامة، و الحكومات المتعاقبة، بكل ما فيها من بيروقراطية واحتكارات سياسية وإدارية ومعرفية، ومن «مشيخات « وظيفية، ومصائد لاغتيال الأفكار والقرارات و الكفاءات، ومنصات فساد مخفية، وسواطير لتكسير مجاديف من يتجرأ على النقد، وبالتالي، الحال من بعضه، أخشى ما أخشاه أن الذين يتقدمون لتغيير الوضع القائم أو الصورة، سيكونون نسخة مشابهة للواقع، ما لم يستثمروا العامين القادمين لإجراء «إعادة هيكلة «، ليس لتغيير الوجوه القديمة فقط، وإنما للتحرر من الواقع القائم، وتحديث مشاريعهم الحزبية برمتها.
تتحدث الأحزاب، عموما، القديمة والجديدة، بمنطق الايدولوجيا لإلهام الأعضاء والمعجبين، او بمنطق السلطة القادمة لتوزيع الغنائم السياسية، أو بمنطق البزنس والمال، لضمان استمرار الاحتكار على جبهتي السياسة والاقتصاد، ومع اختلاف هذا المنطق تبعا لاعتبارات المنشأ والغايات، فإنها تتحول بسرعة إلى «عشائر سياسية»، بكل ما تفرضه اعراف وتقاليد العشيرة من سطوة على الأداء والحركة والاستقطاب، لكن هذه العشائر السياسية مازالت عاجزة عن منافسة العشيرة الاجتماعية، و إقناعها بالاندماج فيها سياسيا، لأنها، ببساطة، لا تشكل ملاذا آمنا للأجيال التي تبحث عن مشروعها الوطني، او عن فرصتها في المشاركات الوطنية.
هنا بيت القصيد، الحياة الحزبية بحاجة إلى مشاريع وطنية حقيقية، أو «قضية اردنية» تحملها إلى الأردنيين، و تقنعهم بها، بحاجة للخروج من مظلة الوصايات والمناكفات، وحالة الحرد السياسي، ومن أساطير الخمسينيات، وارتداداتها، ومن فكرة» اركب معنا «، ومن سلطة الآباء المؤسسين الواجب طاعتهم، والقيادات التي لا تريد أن تتخلى عن مقاعدها الوثيرة.
نعم، للخروج من كل هذه النوازل والوقائع، نحتاج لصناعة حالة حزبية اردنية جديدة، تتناسب مع انكشاف المشهد العام، و تصاعد الوعي السياسي والاجتماعي، خاصة لدى الشباب، ثم تراكم الأزمات التي تواجه الدولة، والتحديات التي تتعرض لها، والأخطار القادمة المحدقة بها، مسار الخروج يحتاج، ايضا، إلى قيادات شابة جديدة، وبرامج مقنعة، وتوافقات سياسية واجتماعية، تجيب على أسئلة الناس، وتعيد ترسيم العلاقة مع الدولة والمجتمع، بشكل واضح لا يقبل اللبس.
مدار الساعة (الدستور) ـ نشر في 2023/02/09 الساعة 01:06