لم يتوقع أحد أن الحرب الروسية–الأوكرانية ستتحول إلى حرب شاملة مع اقتراب دخولها العام الثاني, فالحرب التي بدأت بعملية عسكرية محدودة وخاصة, أصبحت الآن مواجهة حقيقية على ساحة الأرض الأوكرانية بين القوات الروسية مع حلف الناتو الداعم الرئيسي للجيش الأوكراني والمرجحة للتوسع خارج أوكرانيا لتشمل أراضي دول حلف الناتو, والتي رأينا كيف أن الخطوط الحمراء التي وضعتها روسيا بعدم تزويد أوكرانيا بأسلحة قد تُستخدَم لأغراض هجومية قد أختُرقت, من خلال ما قرره حلف الناتو بتزويد الجيش الأوكراني بسلاح الدبابات الفعّال والحاسم في المعارك.
لندخل في صُلب المقالة ونبدأ بالتحليل العسكري, لاحظنا في الأسابيع القليلة الماضية تطورات روسية على ساحة المعركة بتقدم للقوات الروسية مدعومة بالجيش مع قوات الفاغنر على جبهتين في الشرق والجنوب الأوكراني بعد جمود دام لعدة شهور, لم تفلح الدبلوماسية معها في وضع حد للحرب المستعرة, فأقدم الرئيس الروسي بوتين بخطوة استراتيجية عسكرية بتعيين رئيس الأركان العامة فاليري جيراسيموف لقيادة «العملية العسكرية الخاصة» بدلاً من سيرغي سوروفيكين الذي أشرف على ضربات البنية التحتية للطاقة في أوكرانيا, إن تعيين رئيس الأركان هدفه التسريع في حسم المعركة ومحاولة السيطرة على العاصمة كييف, وهذا ما سيحاول تحقيقه من خلال التقدم السريع للقوات الروسية مع الفاغنر على ثلاثة محاور في الشرق والجنوب, وهي دونيتسك وباخموت وزاباروجيا, فالقيادة الجديدة تملك من الخبرة والتكتيك والتنسيق الكامل بين شتى صنوف الأسلحة والقوات المشاركة في المعركة من جيش وقوات فاغنر, وبالأوامر السريعة لمختلف القطاعات والدعم اللوجستي الكامل من الحكومة الروسية والقطاع العام والمتمثلة بالمصانع التي تخدم المجهود الحربي, وسرعة اتخاذ القرار الذي أدى إلى ما نشاهده اليوم على أرض المعركة.وليس هذا فحسب بل وضع رئيس الأركان الروسي خطة عسكرية شاملة ومن ضمنها تأمين العمق الروسي من أي هجمات محتملة عندما أمر بنصب أنظمة صواريخ دفاعية نوع بانتسير على أسطح المرافئ الحساسة في العاصمة الروسية موسكو, وعمل تجربة لصاروخ فرط صوتي يستطيع ضرب أهداف في أوروبا خلال أقل من 3 دقائق.على الجانب الآخر, أدرك الرئيس الأوكراني كما أدرك معه الحلفاء الأوروبيون والولايات المتحدة بأن الأمور تتجه نحو الحسم الروسي ومن الممكن أن يطبق الجيش الروسي مع قوات الفاغنر على العاصمة الأوكرانية من ثلاث محاور تشكل مثلث روسي, سيشتت القوات الأوكرانية وتجعلها في وضع صعب وعدم تمكنها من صد الهجوم الروسي وبالتالي سقوط العاصمة.لقد أراد حلفاء أوكرانيا في حلف الناتو إنقاذ فوري للجيش الأوكراني لصد الهجمات الروسية ومحاولة القيام بهجمات معاكسة, ولدعم الرئيس الأوكراني أقدموا على قرار تزويده بشتى أنواع الدبابات التي يستخدمها الحلف من ليوبارد2 الألمانية, وأبرامز M1A1 الأمريكية, وتشالينجر2 البريطانية, ولوكلير الفرنسية, لكن السؤال الذي يطرح نفسه: هل هناك متسع من الوقت لاستخدامها من قبل الجيش الاوكراني؟ باعتقادي أن وصول الدبابات جميعها لتكون جاهزة في ساحة المعركة قد يحتاج من 6 -12 إسبوع, والسؤال الثاني: هل العدد المرسل من الدبابات وهو بحدود 150-200 دبابة من جميع الأنواع سيكون كافياً لمساعدة الجيش الأوكراني في صد الهجمات الروسية في جميع الجبهات خصوصاً عن العاصمة الأوكرانية في حين تمتلك روسيا 12000 دبابة؟ وهل تستطيع أوكرانيا بمساعدة حلف الناتو استعادة أراضيها ومدنها وخصوصاً جزيرة القرم؟.إن قرار تزويد الدبابات جاء متاخراً وهو عبارة عن دعم معنوي للرئيس الأوكراني وجيشه, لأن الحسم الروسي سيكون الشهر القادم, حيث أن هناك سيناريوهان اثنان لهذه الحرب:السيناريو الأول: أن يقرر حلف الناتو الدخول بمواجهة حقيقية مع القوات الروسية لإنقاذ الجيش الأوكراني والعاصمة الأوكرانية ومحاولة استعادة الأراضي التي سيطر عليها الروس، وذلك بإرسال كميات كبيرة من الدبابات مع طواقمها العسكرية المدربة الجاهزة إضافة إلى الآليات الثقيلة, وكذلك تزويد الجيش الأوكراني بطائرات مقاتلة من طراز F16 مع طيارين مدربين وذلك لصد الهجوم الروسي ومحاولة عمل هجمات معاكسة لاستعادة زمام المبادرة في الجبهات الشرقية والغربية والشمالية من أوكرانيا, وتزويد الجيش الأوكراني بالصواريخ الباليستية التي ستستهدف جزيرة القرم وأهداف في العمق الروسي, وكلا الطائرات والصواريخ ستضع دول حلف الناتو الأوروبية منها في مأزق كبير, قد تدفع برئيس الأركان الروسي باستهداف أهداف في العُمق الأوروبي لدول حلف الناتو, وهذا بالتالي سيؤدي إلى وضع خطير للغاية.السيناريو الثاني: قرار تزويد أوكرانيا بالدبابات هو عبارة عن دعم معنوي لأوكرانيا بغض النظر عن دور هذه الدبابات في ساحة المعركة, لأن وقت وصولها وعددها لن يحدثوا الفارق على جبهات القتال, وخصوصاً إذا تم الهجوم البري على العاصمة الأوكرانية من الشمال الشهر القادم واستمر تقدم القوات الروسية من الشرق والجنوب, وذلك لإجبار أوكرانيا على الرضوخ للمطالب الروسية في حال الجلوس على طاولة المفاوضات في أي وقت, وخصوصاً إذا نجحت القوات الروسية في الجنوب بالتوسع واحتلال أوديسا الميناء الأخير لأوكرانيا على البحر السود, وبالتالي جعل أوكرانيا دولة معزولة عن العالم بدون أي منفذ بحري.لذلك يُدرك حلف الناتو أن استمرار الحرب ستصُب في الصالح الروسي من خلال السيناريو الثاني, وبدون أي تعقيدات وتجنيب العالم مالا يُحمد عقباه, وهذا ما نصح به القادة العسكريون الغربيون رؤساؤهم للجلوس على طاولة المفاوضات في أسرع وقت لحل النزاع.mhaddadin@jobkins.com
الحرب الروسية - الأوكرانية ستتحول إلى حرب شاملة
م. مهند عباس حدادين
خبير ومحلل استراتيجي في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا
الحرب الروسية - الأوكرانية ستتحول إلى حرب شاملة
م. مهند عباس حدادين
خبير ومحلل استراتيجي في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا
خبير ومحلل استراتيجي في السياسة والاقتصاد والتكنولوجيا
مدار الساعة (الرأي) ـ