ينهمِك الرئيس التركي/أردوغان في عملية «تجميع» ما يمكن ان يتوفر عليه من «أوراق ونقاط» يمكن أن تعود عليه بالفائدة انتِخابياً), في مواجهاتِه ومعارِكه الداخلية والخارجية على حد سواء، لتعزيز فُرصِه البقاء في القصر «الأبيض» الرئاسي, المُقام على 200 ألف متر مربع, إذ وصلت تكلفته إلى نصف مليار دولار تقريباً (491مليون دولار)، عندما انتقل إليه عام/2014، بعدما أغلق أبواب قصر «شنقايا» (أو قصر أتاتورك كما يُوصَف)، الذي تعاقبِ على السكن فيه وإدارة شؤون الدولة منه أحد عشر رئيساً, بمن فيهم عبدالله غلّ، رفيق أردوغان وأول رئ?س من حزب العدالة والتنمية, بل أيضاً أردوغان نفسه الذي دخله في 10 آب 2014 عندما انتخب رئيساً للجمهورية لأول مرة.
دخلتْ تركيا معركة انتخابات رئاسية وبرلمانية ضارية, تم تقديم موعدها(14 أيَّار القريب), في ظل أزمات داخلية مُتدحرجة, محمولة على تراجع في شعبية أردوغان وفق الإستطلاعات، وبروز مؤشرات على أن أحزاب المعارضة الرئيسية (باستثناء حزب الشعوب الديمقراطي الكردي الذي ينتظر قرار المحكمة النهائي, في شأن دعوى اقامتها حكومة اردوغان عليه لإغلاقه بزعم دعمه الإرهاب). وسط مؤشرات على امكانية إتفاق أحزاب المعارضة أو «طاولة الستة» على مرشح واحد قادر على الحاق الهزيمة بأردوغان. حيث يُراهن الأخير على استمرار خلافاتها وعدم قدرتها على?استمرار التنسيق بينها ودعم مرشح واحد عنها, بعد أن خرجَ أحد أبرز منافسيه من «المعركة»، وهو اكرم إمام أوغلو رئيس بلدية اسطنبول, والذي توقّع كثيرون أن يكون «الأقدر» على إخراج أردوغان من «القصر الأبيض».في مناخات مُحتقنة كهذه، خرج الرئيس التركي على المعارّضة (التي احتجت على ترشّحه للإنتخابات الرئاسية, كون أردوغان لا يمكنه الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، باعتبار ترشّحه مُخالفاً للدستور)، مُتهِماً/اردوغان أحزاب المعارضة باللجوء الى «سيناريوهات الفوضى» وبأنها تخشى يوم الانتخابات والخسارة فيها، مُعيباً على «الطاولة السُداسية» فشلها طوال عام وحتى الآن. من اختيار مُرشح توافقي للانتخابات المقبلة، فبدأت بـ«رميّ التُهم على ترشّحي». ولم يتردّد فخامته في استخدام تعبير شعبي بأبعاده السياسية, عندما قال انه مع انتخ?بات العام/2018، تمّ التحوّل الى نظام الحكم الجديد في تركيا (يقصِد تحويل النظام البرلماني الى نظام رئاسي), تمّ «تصفير العدَّاد»، مشدداً على أن الرئيس الذي انتخب عام/2018 (يقصَد نفسه)، هو أول رئيس للجمهورية التركية في النظام الجديد». فأين كان «عقل المُعارضة طوال السنوات الأربع والنصف الماضية»..ختمَ مُتسائلاً.ليس ثمة ما يمكن الإقتناع به في مرافعة كهذه، بعد ان تمّت هندسة المشهد الجديد, الذي رام ابقاء اردوغان في موقعه، ولم يكن الاستفتاء الذي تم اللجوء اليه لتمرير اطاحة النظام البرلماني لصالح آخر رئاسِياً, سوى أحد فصول اللعبة التي بدأتها قيادة حزب العدالة والتنمية, بعد ان تم إبعاد معظم قياداته ورموزه التي شاركت في تأسيس الحزب/14 آب 2001، ونجاح هؤلاء «المُبعدين» في تحقيق اول فوز للحزب في انتخابات/عام 2002 (كان اردوغان في ذلك الوقت يقضي حكماً بالسجن لأسباب سياسية). وهي لعبة - تعديل الدستور وتحويل النظام البرلماني ال? رئاسي ــ أتقنتهاً أو استنسختها أنظمة عربية ودول «نامية» عديدة، بدأت معظمها بانقلابات عسكرية.ماذا عن «وراق» أردوغان؟الرئيس التركي ماضٍ في تحقيق مآربه، ولن تثنيه بيانات المعارضة حتى لو لجأت الى المحكمة للطعن في عدم دستورية ترشّحه، وهو في انتظار معرفة اسم مُرشح المعارضة (يتمنى اردوغان أن يكون كمال كلتيشدار أوغلو زعيم الحزب الجمهوري)، يواصِل معارِكه على الصعيد الخارجي, محاولاً ما استطاع إبعاد المشكلات والملفات الداخلية العديدة التي اسهمت في تراجع شعبيته, سواء في ما خص التدهور غير المسبوق في سعر صرف الليرة أم خصوصاً في ارتفاع الأسعار والمديونية العالية, ناهيك عن التضخّم والبطالة والأزمات المعيشية والخدمية، وهنا يُعارِض –تكت?كياً وليس استراتيجياً كما يجب التنويه - ترشيح السويد لعضوية الناتو فيما يوافق على ترشيح فنلندا, ويتوعّد الأميركيين «بدفع الثمن» لأنهم نكثوا وعودهم مَنحَه صفقات طائرات F16 وقبلها F35، دون إهمال مساعيه الدؤوبة للإمساك بمزيد من «الخيوط» في الحرب الأوكرانية.أما «حكاية» التطبيع مع دمشق فيبدو أنها سَقطتْ أو «أُسقِطتْ» عن جدول الأعمال, لأسباب يمكن وصفها بـِ«خيبة» لم يتوقّعها أردوغان, بعدما «حلمَ» بتوظيفها جيدا في معركته الإنتخابية, دون أن يعني ذلك أنه في حال فوزه كان سيمضي قُدما في هذا المسار, الذي قامت بعض «أُسُسِه» تُركِيّاً.. على «إبقاء جيشه على الأراضي السورية» كما تكشّف لاحقاً, خاصة عندما قال ناطق الرئاسة التركية/إبراهيم كالين: «يجب على الأوروبيين والأمريكيين أيضاً, أن يكونوا سُعداء ومُمّتنين للوجود العسكري التركي في سورية».kharroub@jpf.com.jo