في صُدفة لافتة «ربما», تزامنت الجولة التي بدأها رئيس الدبلوماسية الأميركية/بلينكن للمنطقة (مصر وفلسطين التاريخية), مع الذكرى «الثالثة» للصفقة المشبوهة التي وُصِفتْ بـ«صفقة القرن» (28/1/2020), على نحو يدعو للتساؤل عمّا إذا حدث اي اختلاف جوهري أو شكلي حتى؟، خاصّة ان الرئيس الحالي/بايدن الذي جلس على المكتب البيضاوي منذ عامين (20/1/2021)، كان بذلِ المزيد من الوعود وأدلى بتصريحات بدت لكثير من الواهمين أنها ستشكل فرقاً جوهرياً بين عهديْن، عهد الرئيس الجمهوري المُتصهين الذي «أجازَ» لدولة العدو الصهيوني ضمَ المنطقة «C» من الضفة الغربية المحتلة (إضافة الى اعترافه بأن الجولان السوري المُحتل يشكّل جزءاً من اسرائيل) ناهيك عن القرار الأكثر خطورة وهو اعترافه بالقدس عاصمة «مُوحدة لـِ الشعب اليهودي") ونقله سفارة بلاده الى مدينة القدس, وإغلاقه القنصلية الأميركية في القدس الشرقية التي تم افتتاحها في النصف الثاني من القرن التاسع عشر (عام/1844) قبل قرن من قيام الكيان الغاصب.
مناسبة التذكير بالذكرى الثالثة لصفقة القرن، مقصودة بذاتها ولذاتها, خاصّة ان شيئاً لم يتغيّر على ارض الواقع منذ تسلّم بايدن وفريقه في وزارة الخارجية, بل إن إدارة بايدن أعلنت أكثر من مرّة وفي وقت مُبكر بأنها ستمضي قدماً في مسيرة تعزيز الإتفاقات الإبراهيمية (دونما أي ربط بأي تقدّم جوهري على صعيد القضية الفلسطينية) التي حوّلتها الى «حالة إنسانية» تتمثّل في ضخ حفنة من الدولارات الى موازنة وكالة الغوث (الأونروا) وبعض الفتات إلى موازنة سلطة الحكم الذاتي في رام الله, وخصوصاً بذل المزيد من الوعود المحمولة على تصريحات مُكرّرة بأن حل الدولتين هو الطريق الوحيد لتوفير «الأمن» لإسرائيل كـ «دولة يهودية ديمقراطية»، مع التأكيد في الآن ذاته بأن هذا الحل «لن يكون مُتاحاً في المديين القريب والمتوسط, وأن إدارة الدولة التي تزعم أنها تقود العالم الحر والمدافعة عن قيم الديمقراطية وحرية التعبير وحق تقرير المصير, لا تستطيع وليس بمقدورها تلبية المطالب الفلسطينية (التعجيزية كما وصفها بايدن نفسه), ما يستدعي من الفلسطينيين «انتظار عودة السيد المسيح القادر عليه السلام وحده على تحقيق المعجزات».فما الذي يستطيع بلينكن ان «ينجزه على هذا الصعيد «؟.ثمّة لعبة إعلامية سبقت هبوطه في المنطقة عندما أوردت وسائل إعلام أميركية/أوروبية وخصوصاً عربية, ان إدارة بايدن س"تُوفد بلينكن على وجه السرعة» للحؤول دون تدهور الأوضاع في المنطقة. علماً ان الزيارة مقرّرة منذ زمن طويل, وسبقه اليها مستشار الأمن القومي الأميركي/ سوليفان ومدير وكالة الإستخبارات المركزية CIA/ بيرنز, وهو ما تقرّر بعد تشكيل الإئتلاف الحكومي الفاشي الذي يترأسه نتنياهو الآن, والذي «غيّرت» إدارة بايدن موقفها منه بدرجة انقلابية, عندما قالت في البداية أنها لن تتعامل مع وزيرَيّ الصهيونية الدينية/بن غفير وسموترتش. ثم ما لبثت ان ابتلعت لسانها لتقول في تراجع فاضح: أنها ستتعامل مع حكومة نتنياهو وِفقاً لسياساتها وليس وفقاً لشخصية وزرائها.هنا والآن تحضر وقائع الأسبوع الماضي الدموية, عندما قامت جيش الإحتلال باقتحام مخيم جنين بمئات الجنود والعربات المدرّعة والطائرات المسيّرة, وأعمل قتلاً وتخريباً وتدميراً في المخيم الذي تم تدميره أكثر من مرّة, وبخاصّة يوم 29 آذار عام 2002 خلال جريمة الحرب التي قارفها مجرم الحرب/شارون وأطلق عليها إسم «السور الواقي», وتواصلت بعدها عمليات التدمير على نحو شبه سنوي, وصلت ذروتها في الأشهر الأخيرة وخصوصاً يوم الخميس الماضي باستشهاد 11 فلسطينياً وفلسطينية، الى أن جاءت عملية القدس مساء أول أمس الجمعة, لتُشكِّل من بين أمور أخرى مشهداً جديداً مفتوحاً على إحتمالات متعدّدة (وأخرى مُتباينة) خاصّة بعد تصريح نتياهو بأن حكومته إتّخذتْ «قراراتها» للرد على عملية مستوطنة نافيه يعقوب».المقارنة بين ردرود الفعل الأوروبية والعالمية وخصوصاً الأميركية حول «العملِيتيْن», تكشف بوضوح حجم الإنحياز الغربي لدولة العدو الصهيوني على نحو لا يمكن النقاش حوله أو تبريره. ليس فقط في صمت أمين عام الأمم المتحدة على مذبحة مخيم جنين ومسارعته الى الى إدانة » الهجوم الإرهابي الذي شنّه فلسطيني خارج كنيس يهودي في القدس», بل خصوصاً في ربطه بـ«ذكرى الهولوكوست». ناهيك عن مضامين البيانات التي صدرت عن واشنطن ولندن وغيرهما من العواصم الغربية, التي لا ترى «جريمة» في مقتل عشرات الفلسطينيين من بينهم أطفال ونساء وشيوخ منذ بداية العام, دونما أي دعوة لتطبيق قرارات الشرعية الدولية او دعوة تل أبيب لوقف إجتياحاتها, بل كل همّها الدعوة لـ«التهدئة والتزام أقصى درجات ضبط النفس», في مساواة عنصرية بين الضحية والجلّاد.kharroub@jpf.com.jo