اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

الدول الاسكندنافية صديقة للعرب


جواد العناني
رئيس الديوان الملكي ونائب رئيس الوزراء الأسبق

الدول الاسكندنافية صديقة للعرب

جواد العناني
رئيس الديوان الملكي ونائب رئيس الوزراء الأسبق
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2023/01/26 الساعة 03:01
يوم الثاني والعشرين من شهر يوليو/ تموز عام 2011، قام الإرهابي أندرس بيرنغ بريفيك النرويجي وعضو حزب التقدم (Progress Party) بارتكاب جريمتين متتاليتين بتفجير قنبله في سيارة (فان) أدت إلى مقتل ثمانية أشخاص في مدينة أوسلو العاصمة النرويجية. وبعدها قتل (69) شخصاً كانوا يقيمون في معسكر عمل شبابي عن طريق إطلاق النار مباشرةً عليهم أثناء إقامتهم في جزيرة يوتويا.
ولما سُئل عن سبب قيامه بهذه الجرائم النكراء، قال إن دافعه هو استعادة نقاوة النرويج من المسلمين، وتأكيد رفضه لعملية التأنيث التي طغت على البلاد، بحيث فقدت النرويج رجولتها وحيويتها.
وفي شهر أكتوبر/ تشرين الأول من العام 2006، قامت مجلة تشارلي إبدو الفرنسية بإعادة نشر صور كاريكاتورية عن الرسول محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم اعتبرها كثير من المسلمين تحدياً سافراً لمشاعرهم، وكانت تلك الصور قد نشرت أصلاً في مجلة دانماركية «يلاندز بوستن» » Jyllands Posten» في شهر سيبتمبر/ أيلول من عام 2005. وقامت كثير من الدول الإسلامية بمقاطعة السلع الدنماركية ما أدى إلى خسائر سريعة بعشرات الملايين إذ تراجعت صادرات الدانمارك إلى الشرق الأوسط بنسبة 50% خلال الفترة من شهر فبراير (شباط) عام 2006 وحتى شهر ?ونيو (حزيران) من نفس العام. وقد استمر تأثير المقاطعة خاصة على شركة الألبان الدانماركية (آرلا) والتي نشرت صفحات من الاعتذار في الصحف الرئيسية في البلدان العربية والإسلامية.
ولكن تلك النتيجة لم ترض الفرنسيين. فقامت مجلة تشارلي إبدو بإعادة نشرها. ومن ثم تَنادى خطباء المساجد بمقاطعة السلع الفرنسية. برز بعدها ايمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي ليدافع عن حرية التعبير والقيم الغربية حتى ولو تعرضت لما يعتبره المسلمون مقدسات وخطوطاً حمراء لا يجوز تخطيها.
وفي مطلع عام 2015، قام شخصان بمهاجمة مكاتب المجلة الفرنسية شارلي إبدو، وأدت إلى قتل عدد من صحفييها. وجرت محاكمة للقاتلين وللأشخاص المتهمين بالتآمر معهم. واعادت شارلي إبدو نشر تلك الصور بتشجيع مباشر من الرئيس الفرنسي.
وقبل عدة أيام، أو يوم الحادي والعشرين من هذا الشهر قام راسموس بالودان أو Rasmus Paludan رئيس الحزب اليميني المتطرف في الدانمارك وحامل الجنسية السويدية في نفس الوقت، بحرق نسخه من القرآن الكريم في ساحة بمدينة ستوكهوم عاصمة السويد. وقد قوبل هذا الفعل الشنيع بكثير من الاستنكار من كل الدول العربية ومن ايران وتركيا وباكستان. واعتبر وزير خارجية السويد هذه الفعلة بأنها نكراء. ولكنه لم يَغْفل عن تذكيرنا بأن حرية التعبير مكفولة في السويد، وأن شناعة الحدث تبقى خاضعة لمعايير حرية التعبير.
إذن ثلاثة أحداث قتل وحرق لنسخ من القرآن الكريم حصلت خلال السنوات الإحدى عشرة الماضية داخل ثلاثة من الدول الاسكندنافية، وهي الدنمارك والنرويج وأخيراً السويد. ومن المعروف أن علاقاتنا العربية والاسلامية بهذه الدول، وحتى تاريخياً، كانت دائماً جيدة وراقية. وقد تعودنا في حياتنا قبل الكهرباء وبعدها، وقبل السيارات الكهربائية وبعدها، على كثير من السلع والخدمات التي نستوردها من تلك الدول ومن أهمها الأجبان والزبدة والبقر، ومضخات غروندفوس، وطواحين الهواء، وبابور الكاز بريموس، ولمبات شيشه (لوكس)، وسيارات الفولفو وسات و?ثاث إيكيا، واحذية كلارك وخدمات الشحن(containers).
وكذلك فإن مواقف بعض حكوماتها من القضية الفلسطينية متميزة، وبخاصة السويد. والمهاجرون العرب إلى الدول الاسكندنافية يلقون الرعاية والعناية. وهي دول ليست متعصبة دينياً على الاطلاق. ويعود تاريخ العلاقات بهم حسب معلوماتي إلى عهد الخليفة العباسي المقتدر بالله الذي أوفد أحمد بن فضلان وآخرين إلى بلاد الصقالبة(تتارستان وعاصمتها كازان داخل روسيا). وقد كتب ابن فضلان «رسالة ابن فضلان» التي فصَّل فيها عن حياة الفايكنغز (Vikings)، والذي يبدو أنه اتصل بهم. ويقر كثير من المؤرخين في تلك البلدان فضل رسالة بن فضلان في التوثيق?لحياتهم في القرن العاشر الميلادي، والتي يعتبرونها نسخة صادقة عن حياتهم مقابل الكتابات باللغات الانجليزية والكلتية(Celtic) التي صورتهم بأبشع الطرق نظراً للحروب بين الانجليز والاسكتلنديين على بحر الشمال ضد قبائل الفايكنغز في تلك الفترة.
وفي مجال التجارة بين منطقة الفايكنغز والمسلمين، نشرت سيبر وسكرول (Saber and Scroll) عام 2015 بحثاً للمؤلفة «سوزان واتس» بعنوان «من غزاة إلى تجار: التبادل التجاري العربي مع الفايكنغز». وقد التقى المسلمون بالفايكنغر ابان سعي كليهما لغزو أوروبا، خاصة في شبه جزيرة ايبيريا (اسبانيا والبرتغال) وتحول ذلك – كما تقول الكاتبة- إلى فرصة للتبادل التجاري بين الجانبين. وعليه، لم يسجل أن قام الفايكنغز أو المسلمون بغزو بعضهما البعض، بل اتسمت العلاقات بينهما بالود والتقدير والتبادل بدل التنازع.
ويتذكر العرب كثيراً من الشخصيات الهامة من البلدان الاسكندنافية مثل «تريغف لي» أول أمين عام للأم المتحدة. وداغ همرشولد الأمين العام اللاحق، وكثيراً من رؤساء وزراء تلك الدول بالمودة والاحترام. والتبادل التجاري الحالي بين العرب خاصة والمسلمين عامة قوي مع الدول الاسكندنافية.
والسؤال هو: من هي الجهات المحرضة التي تسعى إلى تخريب تلك العلاقة بين الجانبين، خاصة وأن دولة مثل النرويج لها مكتب في الرام بالضفة الغربية المحتلة، وللسلطة الفلسطينية بعثة دبلوماسية في أوسلو. ولا ننسى هنا دور النرويج في تسهيل اللقاءات السرية التي سبقت توقيع معاهدة أوسلو بين منظمة التحرير وإسرائيل عام 1994.
أما السويد فقد قامت في شهر أكتوبر/ تشرين الثاني من العام 2014 بالاعتراف بفلسطين دولة ذات سيادة، ولفلسطين سفارة في مدينة ستوكهولم عاصمة السويد. أما الدانمارك فهي تؤيد حالياً إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مسالمة وذات سيادة. وتشجع في نفس الوقت المنظمات الساعية إلى تحقيق ذلك الهدف. أما فنلندا فلها بعثه دبلوماسية دائمة في رام الله منذ عام 1990، ولفلسطين بعثة دبلوماسية في هلسنكي أنشئت منذ الثمانينات، وتتمتع بكامل المزايا والحصانات الدبلوماسية التي تتمتع بها سفارات الدول الأخرى.
والدول الاسكندنافية هي داعم أساسي والمواظب لوكالة غوث اللاجئين الفلسطينيين، وذات التاريخ المسالم، والداعمة للقضية الفلسطينية تستحق منا نظرة محايدة رغم احتجاجنا وكرهنا لافعال المتطرفين القليلين منهم.
ويجب على تركيا أن تدرك أن خلافاتها مع السويد وفنلندا حول عضوية الناتو، يجب ألا يُسْمح لها أن تتحول على أيدي المتطرفين القلة إلى معولٍ لافساد علاقاتنا معها.
وتبقى الحقيقة الأساسية التي لا مهرب منها على الاطلاق، على المجتمعات الأوروبية والغربية والهندية وغيرها ممن يتعرضون للمقدسات الاسلامية وللمعالم الاسلامية أن هذا الأمر يجب أن يتوقف عند حدوده، وأن الخلط بين ما يسمى حرية التعبير والاعتداء على قيم الإسلام ليس إلا عذراً واهياً. والدين الإسلامي يحترم الديانات الأخرى، وبخاصة الديانات السماوية التوحيدية. وما يجرؤ عليه الغلاة من أهل الديانتين لا يستطيع المسلم أن يمارسه، لأن القرآن علمنا «آمن الرسول بما أنزل إليه من ربه، والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، ل? نفرق بين أحد من رسله، وقالوا سمعنا واطعنا غفرانك ربنا وإليك المصير".
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2023/01/26 الساعة 03:01