اخبار الاردن اقتصاديات دوليات جامعات وفيات برلمانيات احزاب وظائف للاردنيين رياضة أسرار و مجالس مقالات مختارة مقالات تبليغات قضائية مناسبات جاهات واعراس مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة كاريكاتير رفوف المكتبات طقس اليوم

انقسامات


عبدالهادي راجي المجالي
abdelhadi18@yahoo.com

انقسامات

مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2023/01/25 الساعة 01:43
اتذكر أن المجتمع أسس لانقسامات فينا لم تكن ضرورية أبدا، وهذه الانقسامات انعكست فيما بعد على انماط التفكير وعلى السياسة والاقتصاد.. وحتى وضع البلد.
كانت سندويشة الفلافل مهمة جدا, ومن المستحيل أن يمر الأسبوع دون أن تتناولها.. وأول أشكال الانقسامات بدأت بها, حين صار العامل الوافد الذي يقوم بتحضير السندويشة.. يبادرك بالسؤال: (بشطة ولا بدون شطة يا باشا).. وهنا لا تعرف هل انقسمت حاسة الذوق لديك أم أن الفلافل تمردت على نفسها.. أنا بصراحة كنت افضلها بالليمون..
ثم تطورت اشكال الانقسامات.. وكانت ذروتها في ظهور راغب علامة... فنحن من الأجيال التي تعودت على فهد بلان, شفيق جلال, ناظم الغزالي.. كنت أحيانا حين استمع لفهد بلان اشعر أنه جاء لأداء الأغنية بعد أن قام (بطراشة) منزل كامل.. وانه يريد الانهاء لأن لديه (قلاب حصمة) جاهز مع الحمولة ويحتاج للتوصيل.. راغب غير في الذوق تماما, كونه كان يظهر على الشاشة بسلسلة ذهبية في اليد وتشعر أنه قبل الأغنية ذهب إلى كوافير (ستاتي).. وأحيانا حين تراه, تشعر أيضا بأن زبدة (اللورباك) قد تسيح في الطنجرة من دون نار.. كان هذا الانقسام يشكل ثورة في الذهن, تصل حد تغيير القيم والاعراف والعادات.. وكان البعض يعتبر أغنية: (حبيبي يا ناسي).. اشبه بجرم قدح المحصنات.
توالت الانقسامات بعدها في المجتمع... وظهرت أيضا انقسامات أفقية وأخرى طولية.. وأخرى متعلقة ببنية المجتمعات منها مثلا: ذاك الانقسام الذي حدث بعد ظهور الأنترنت, فالحب لم يعد يحتاج إلى تضحية.. لم يعد يحتاج إلى رسائل غرام ترمى خلف السور, وفاطمة لم تعد تغامر بالخروج لبيت الجيران من أجل احضار الملح.. ومن ثم المرور في (دخلة) ضيقة ومصافحة عوض وبعد ذلك استلام هدية منه عبارة عن عطر رديء.. صار الحب عبر الأنترنت, عبر الرسائل (والإيميلات).. ولم يعد يحتاج لجهد, أو مطاردات.. أو حتى اتهامات باطلة تصل حد (الرفش) في بطن عوض.
لكن الانقسام الأخطر الذي حدث في المجتمع بعد تراكمات من التشظي والانفلات.. هو الانقسام على الذات, وصلنا إلى مرحلة كل واحد منا صار ينقسم على ذاته...
القصة بدأت بالفلافل والشطة, وتطورت.. أنا أحيانا صرت أحس أني عبدالهادي راجي بالشطة, وأحيانا صرت أشعر بأني عبدالهادي بالمايونيز.. والغريب أني البارحة وأنا اتابع ما تركته الأيام على وجهي... أحسست أن العمر قد اضاف لي (مكعبات ماجي) في الروح...
وماذا نختلف عن سندويشة الفلافل.. فالكل يقبل القضم والقسمة والشراء..
Abdelhadi18@yahoo.com
مدار الساعة (الرأي) ـ نشر في 2023/01/25 الساعة 01:43