مدار الساعة - “الذهب الروسي” أصبح تقليدا مقبولا في حفلات الزواج بالأردن في ظل ارتفاع أسعار الذهب العادي وصعوبة الأوضاع الاقتصادية لدى البعض، لذلك أصبحت نسبة كبيرة من العائلات الأردنية تقبل على شراء الذهب الروسي عوضا عن الذهب الخالص، وذلك بهدف تسهيل وإتمام بناء عش الزوجية دون تكبد العريس تكاليف إضافية لا طاقة له بها، ويتم ذلك باتفاق بين العروسين.
وفي المقابل هناك من يرفض هذه الطريقة بل توقفت زيجات في الحفلة الأخيرة لرفض أهل العروس تلبيس ابنتهم ذهبا ليس بالذهب الأصلي. ولا يقتصر اقتناء الذهب الروسي في الأردن على ذوي الدخل المحدود، فهناك عدد كبير من المترفين يُقبلون عليه لما يتمتع به من ميزات وتصاميم قد لا يجدونها في نظيره الأصلي.
ويتكون الذهب الروسي من نحاس مطلي بالذهب، أو من مكونات الذهب بكمية قليلة ويستخدم كحلي وزينة للنساء في عدد من دول العالم. ويرى الأخصائيون الاجتماعيون أن أحد أسباب تزايد نسبة العنوسة بين النساء والرجال في الأردن هو عدم قدرتهم على شراء الذهب بأسعاره المرتفعة عالميا ومحليا، لذلك يلجأ بعضهم إلى تأجيل موعد الفرح، ويلجأ آخرون إلى إلغائه تماما.
الذهب الذي يشتريه الزوج مهما كانت قيمته المادية فإنه لا يؤدي إلى السعادة في الحياة
حلي يلمع
يقول الصائغي يوسف نعيمي “يقبل مواطنون على شراء حلي يشبه الذهب شاع بينهم تحت اسم الذهب الروسي، في حين أن هذا النوع من الحلي ليس ذهبا ولا روسيا ولا يعدو كونه معدنا لا قيمة شرائية له ويدخل تحت ما يسمى بالإكسسوارات”.
ويضيف أن الناس أطلقوا عليه هذا الاسم منذ مطلع التسعينات من القرن الماضي عندما راجت تجارة الباعة المتجولين للإكسسوارات التي سوقوها حينها على أنها من روسيا، رغم عدم صدق الاسم الذي تم تداوله منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا.
ويشير إلى أن هذا النوع من الإكسسوار قد ينتج محليا وقد يستورد من بعض البلدان الأوروبية والآسيوية كإيطاليا وتايوان والهند، ولكن ليس من روسيا على وجه التحديد، الأمر الذي يؤكده عميد جمارك مساعد مدير عام دائرة الجمارك الأردنية عبدالوهاب الصرايرة الذي يقول إنه لا يوجد في البيانات الجمركية ما يشير إلى أنه تم استيراد هذا النوع من الإكسسوار من روسيا، لافتا إلى أن تسميته دارجة على لسان العامة مجازا وليس لها أي أساس من الصحة.
وتقول الخبيرة المتخصصة في فحص الذهب فريال الخزوز، إن الذهب الروسي ليس ذهبا على الإطلاق، ولا توجد فيه أي نسبة ذهب، مطلقة عليه اسم الإكسسوار فقط. وتشير إلى أن بعض المستهلكين قد يقعون ضحية لبعض التجار الذين يوهمونهم بأنهم يبتاعون ذهبا حقيقيا، منوهة إلى أن أسعار هذا الإكسسوار مرتفعة مقارنة بالقيمة الحقيقية له، ولا يخضع لأي نقابة أو رقابة.
وتبيّن أن القطع المقلدة هذه تصب في ذات القوالب التي يصب فيها الذهب الحقيقي، ما يجعلها قريبة جدا بأشكالها منه، منوهة إلى أن بعض تجار الذهب وقعوا ضحية لاحتيال بعض المستهلكين من الذين باعوهم الذهب المقلد على أنه حقيقي، حيث تم اكتشاف ذلك أثناء كسر الذهب المباع ليظهر منه معدن لا يمت إلى الذهب بأي صلة، مضيفة أن هذه القطع تدمغ بدمغة الذهب الأصلي ذاتها ما يصعب اكتشافها على بعض أصحاب محلات بيع الذهب وخاصة الجدد منهم.
الغاية سعادة الزوجين
وتنصح الخزوز المقبلين على الزواج من غير الميسورين الاكتفاء بخاتم الزواج الحقيقي، بدلا من إيهام العروس بالذهب التقليدي لما يولده ذلك من مشكلات اجتماعية كبيرة كانت اطلعت على بعضها بحكم خبرتها في مجال فحص الذهب.
نقيب تجار صناعة وصياغة الحلي والمجوهرات أسامة امسيح يقول إن هذا النوع من الإكسسوار هو عبارة عن معدن قد يكون من النحاس ومطليا بالذهب الذي لا وزن له ولا قيمة، مشيرا إلى أن النقابة ليست ضد تجارة الإكسسوار، لكن الخلاف مع بعض تجار هذه السلعة على تسميتها بالذهب.
وحول تسميته بالذهب الروسي يبيّن أن التسمية هدفها تجاري فهو ليس ذهبا ولا روسيا بل إنها تسمية شائعة، كأن يقال هذا ألماس أميركي بينما لا يوجد ألماس أميركي بل إنه نوع من الحجارة التي تستخدم لتزيين الذهب الحقيقي وتسمى “الزريكون”.
يقول رشيد “إن الارتفاع الجنوني لأسعار الذهب دفعني وشريكة حياتي إلى شراء الذهب الروسي والإكسسوارات لترتديها أثناء حفل الزفاف أمام ضيوفنا، خاصة أن ارتداء العروس للذهب في حفل الزفاف من الأمور التقليدية في مجتمعنا”.
وتقول خطيبته سميرة “حين تقدم لخطبتي رشيد اشترط أهلي عليه وكجزء من المهر أن يشتري مصاغ ذهب بمبلغ 2500 دينار غير الأثاث والمنزل وغيرهما من متطلبات الزواج، وكحل لتعجيل مراسم الزواج والاستقرار اتفقت معه على شراء الذهب الروسي كونه يشبه إلى حد كبير الذهب الأصلي لارتدائه في حفل الزفاف، وقمت بشراء عدة قطع جميلة وهي بنظري أغلى وأجمل من الذهب الأصلي، خاصة أنها قد صنعت بطريقة جميلة ورائعة، ولا يمكن لمن يشاهدها أن يكتشف أنها من الذهب الروسي”.
وتؤكد سميرة أن إصرار الأهل على مثل هذه المتطلبات “جعلنا نلجأ لهذا الحل شأننا شأن الكثير من المقبلين على الزواج في مثل هذه الظروف الصعبة”. ويقول الأخصائيون الاجتماعيون إن الظروف الاقتصادية الصعبة التي تمر بها معظم الأسر في الدول العربية واشتراط أهل العروس على العريس شراء الذهب الأصفر كجزء من المهر وارتفاع أسعار الذهب، جعلت العديد من الأزواج يتجه لشراء الذهب الروسي والاستعاضة به عن الذهب الأصلي لارتدائه في حفلات الزفاف.
وفي الكثير من الأحيان يتفق العريس مع العروس على هذا الخيار، أو تتفق أم العروس مع ابنتها وعريسها على ذلك لإتمام مراسم حفل الزفاف بعد تأخر سن الزواج في معظم الدول العربية، مؤكدين أن هذا التقليد مضت عليه العشرات من السنين ومن المفترض أن تتغير مثل هذه الأمور والعادات وذلك لتغير الوضع عما كان عليه سابقا.
ويقول سين الخزاعي أستاذ علم الاجتماع في جامعة البلقاء، إن الذهب يعتبر من أساسيات الزواج، ويجب أن يتم الاتفاق عليه بالتراضي بين أهل العريس والعروس أوالعروسين معا، ويجب ألا يقف عدم القدرة على شراء الذهب أو توفيره عائقا أمام الزواج، حيث أن الذهب الذي يشتريه الزوج مهما كانت قيمته المادية فإنه لا يؤدي إلى السعادة في الحياة الزوجية لأن الحياة الزوجية الحقيقية الممتعة تبدأ بعد الزواج ووجود الذهب أو عدم وجوده لا يؤخر ولا يقدم في السعادة الزوجية، إذ على الزوج والزوجة أن يبحثا عن السعادة والاستقرار النفسي والاجتماعي والاقتصادي والعاطفي.
وترى الشابة سيرين طالبة جامعية أن الذهب الروسي ظاهرة اجتماعية قدمت حلولا كثيرة لأصحاب الدخل المحدود المقبلين على الزواج، فإقبال الفتيات على الإكسسوارات كبديل للذهب يساهم في خلق روح التواصل بين الزوجين الشابين، اذ تصبح الهدايا شيئا رمزيا لتقوية أواصر المحبة، وتقبل الفتاة بفكرة الذهب الروسي يبعد النميمة عنها وعن خطيبها.
والفتاة الذكية، حسب سيرين، هي التي تستغل فرق سعر الذهب لأشياء أخرى أكثر أهمية، مثل رحلة شهر العسل أو الادخار، وغيرهما من الأمور التي تتفق فيها الفتاة مع خطيبها.
نميمة
ظاهرة الذهب الروسي خلقت في نفوس الناس حب النميمة، فقد أكدت العديد من السيدات أنهن حضرن حفلات زفاف كثيرة، كان الناس يعلقون فيها على أن الذهب المقدم للعروس هو ذهب روسي.
وتتنوع القصص التي يقدمنها، فيقلن إن العريس بدأ بغش زوجته قبل أن يدخل إلى باب البيت، في حين تقول أخرى يبدو أنه لا يحبها وإلا اشترى ما يستحقه جمالها، ويصل بهن الأمر أحيانا إلى تبادل الرسائل النصية ليخبرن صديقاتهن أن العروس فلانة تأخذ صورا للذكرى مع الذهب الروسي، وغيرها من التعليقات.
وفي التفاصيل أنه أثناء قيام الشاب بتلبيس عروسه الذهب قالت إحدى قريباتها “هل تعرفين أن الذهب الذي تلبسينه روسي؟ أقسم أنه روسي، أنا أشتغل في الحلي وأفرق بين الذهب الأصلي والإكسسوارات”، الأمر الذي أدى إلى نشوب ملاسنات بين الطرفين بعد اكتشاف حقيقة الذهب.
وحاول العريس أن يقنع أهل عروسه بأنه احتاج النقود من أجل تجهيز البيت وتأمين تكاليف حفل الزفاف، إلا أنهم أصروا على عدم إكمال حفل الزفاف وإيقافه. وقالت والدة الفتاة للعريس بحسب شهود عيان “أنا من أول ما شفتك ما ارتحتلك مبين عليك نصاب، بس بنتي إلي عقلها صغير وبدها ياك”.
وفي نهاية المطاف خرج كل المدعوين من قاعة الاحتفال وعلى وجوههم ملامح الدهشة والتعجب، وقال العريس بصوت مرتفع للسيدة التي اكتشفت حقيقة الذهب “الله يخرب بيتك زي ما خربتي بيتي”.
ويوضح الصائغي أسامة امسيح أن غلاء المهور لا يمكن أن يكون دافعا للخداع بين المقبلين على الزواج لشراء ذهب مقلد، وأن الرائج ان يتم ذلك برضا الطرفين إذا كانت الأرضية المشتركة بينها هي التفاهم، بيد ان الكثير منهم يدركون أن شراء خاتمي زواج من الذهب الحقيقي هو إجراء كاف وليس هناك أي دافع لأن يضحك الإنسان على نفسه ويشتري كميات من ذهب مقلد ليست لها أي قيمة.
تاجر آخر يقول “اتهمنا بأننا السبب في وقوع مشكلات اجتماعية بين العائلات حين يقوم بعض المقبلين على الزواج بشراء الذهب المقلد ويقدمونه لعرائسهم على أنه حقيقي”. وبين أن المشكلة ليست بالتجار الذين يقدمون فاتورة تبين أن هذا الذهب ليس أصليا، ولكنها لدى بعض العرسان الذين يعانون من أوضاع اقتصادية صعبة.(العرب)