جرت العادة في مُجتمعاتنا أن تُحاكم النساء على أفعالها، وسلوكاتها أكثر من الرّجال لأنّهنّ دائمًا تحت المجهر ، وأي سلوك تُقدِم عليه امرأة هو برسم المُحاكمة المُجتمعية حتى تَثبُت براءتها ، وهذا أمر واقع علينا الاعتراف به . فتعاطي المرأة مع السوشال ميديا على سبيل المِثال يخضع لكثير من النقد مُقارنة بالرجل ، فلا أرصد كثيرا نقدا موجّها الى رجال يُبالغون في نشر صورهم الشخصيّة المُفلترة بمُناسبة وبدون مُناسبة ، أو أولائك الذين ينشرون فيديوهات الحشو والثرثرة المُطرزة ، بينما لا يتوقف النقد ،والتجريح ،والتهكّم على امرأة قامت بنفس الفعل . وهدفي في هذا المقال أن أبيّن الفرق في المُحاكمة بين امرأة ورجل يتعاملون مع السوشال ميديا بنفس الطريقة.
ألم يمر عليكم مثلا صورة شخصية لرجل كتب الى جانبها عبارات مثل (جُمعة مباركة) أو (أحد مبارك) أو عبارات دينية ، حِكم ،ومواعِظ وكأنّه المهدي المُنتظر ،أو عمر بن الخطّاب ، أو حتّى يوحنا الذهبي الفم ؟ ألم تشهدوا نماذِج من الرجال الذين يكتبون أمام صورهم الشخصيّة عبارات مثل ( الحياة أقصر من أن تُضيّعها في الحزن ) أو عبارة من نوع ( أحب نفسك وتصالح مع ذاتك ) وكأنّه اكتشف الذرّة ، أو أنّ أينشتاين شخصيّا من تفوّه بهذه الدّرر الفكريّة العميقة ؟ وتِلك النماذج التي تعشق التقاط الصور مع الشخصيات النافذة في البلد من سفراء ،ووزراء، ونوّاب ، أو شخصيات فنية ، مُطربين وممثلين مشهورين ؟ فعندما ينشرها رجُل فإنّها تحصد من الاعجابات، والعبارات الرنانّة أكثر بكثير مما تحصده من النقد والذم والتهكّم فيما لو فعلتها امرأة. حقيقةً لا أحبّ هذا النّوع من المنشورات ، وألغي متابعتي لأصحابها فورًا رجالًا كانوا أم نساءً. ما أريد قوله ، أنّ تطبيقات السوشال ميديا أصبحت اليوم أداةً مهمّة جدّا ، و خطيرة جدّا، وهي تُؤشِّر بوضوح الى درجة فهم مُستخدمها ووعيِه ، وتُعرّفنا على شخصيّته ،ونوع ثقافته ، وفِكره ، وقيَمه ، واهتِماماته، وأهدافه، ومن حقّ كل انسان أن يُعبّر عن نفسه بالطريقة الّتي تُناسبه ، ومن حقّنا أن ننتقِده ، أو وأن نحظُرُه لو أردنا ؛ لكن دعونا لا نُفرّق في النّقد بين رجل وامرأة ، فالموضوع يتعلّق أوّلًا وأخيرًا بالوعي ، والهدف، والرّسالة، وليس بجِنس المُستخدم .
جزراوي تكتب: نساء تحت المِجهر
مدار الساعة ـ