دعوت في مقالين سابقين, إلى إعطاء الإصلاح الأخلاقي والقيمي في مجتمعنا أولوية وطنية مطلقة, كمدخل للإصلاح الشامل الذي نريده لوطننا, ونحن ندلف إلى المئوية الثانية من عمر الدولة الأردنية, ذلك أنك لا تتابع ممارسة من ممارسات الفساد السياسي أو الاقتصادي أو الإداري أوالاجتماعي إلا وستجد أن أصله فساد أخلاقي, وفساد في التصور القيمي لدى كل الأطراف التي تشارك في عملية الفساد, لذلك بشر رسول الله صلى الله عليه وسلم هذه الأطراف بنفس المصير عندما قال «الراشي والمرتشي والرائش بينهما في النار» والرائش هو الوسيط الذي يسهل عمل?ة الفساد سواء كانت رشوة أو إختلاس أو...الخ.
كثيرة هي فوائد الإصلاح الأخلاقي, أولها وقف موجة النفاق والمنافقين التي استشرت في مجتمعنا, بكل ما تحمله من اخطار أولها تزين الأخطاء حتى تتحول إلى كوارث, وثانيها خداع الذات عن حقائق الواقع, فنتخيل الضعف قوة والكذب مديح, والفلهوة ذكاء, وكلها آفات تودي بالمجتمعات إلى التهلكة عند ساعة الحقيقة التي يفر فيها المنافقون فينكشف ظهر الوطن وصدره معاً, لذلك فقد حذر القرآن الكريم من المنافقين كثيراً, لأنهم أعداء الداخل الذين يعملون في جسم الوطن بخبث فلا نشعر إلا وقد استشرى به الداء, لذلك فإن علينا جميعاً أن نتصدى للمناف?ين وأن نعمل جاهدين على أن نسد أمامهم المنافذ وأولها المنابر وسائر وسائل التواصل, وأن نسد آذاننا عن الاستماع إليهم, لأنهم يمارسون في مجتمعنا طنين الذباب المؤذي, ويحولون بيننا وبين سماع الحقيقة والإحتكام إليها.والإصلاح الأخلاقي طريقنا أيضاً لاستعادة الكثير من القيم والسلوكيات التي افتقدها مجتمعنا, وأولها قيمة الاحترام في علاقاتنا وسلوكياتنا, فقد غابت هذه القيمة عن مجتمعنا ليس على الصعيد الاجتماعي فقط حيث لم يعد الصغير يحترم الكبير, ولم يعد الرجل يحترم المرأة, كما غاب التكافل الاجتماعي من حياتنا أو يكاد فغابت قيم «العونة» والتعاون ولم يعد الكبير يرحم الصغير, ولم يعد الغني يراعي مشاعر جاره أو قريبه الفقير في مجتمعنا, بل تجاوزنا ذلك على خطورته فبعد أن لم نعد نحترم الكثير من قيمنا وعادتنا الاجتماعية, فقد فقدنا الاحت?ام أيضاً لأخلاقيات العمل وأصول المهن, ولم يعد لدينا احترام للاختصاص وأهله, فصار الواحد منا يفتي في شؤون الدين وفي الكيمياء والفيزياء ويستسهل الحديث بالسياسة لأنها صارت شتائم عند شرائح واسعة منا فغابت لغة الحوار عن مجتمعنا, وسادت العقلية الاقصائية التي تسعى إلى تهميش الآخر, ويرزت سياسة إغتيال الشخصية والنزعة الفردية, وكذلك الحال في الاقتصاد, ومجتمع لا يحترم الاختصاص واهله لا يمكنه أن يتطور فما بالك إذا انتشرت فيه ثقافة العيب التي صارت سبباً من أسباب البطالة بين شبابنا ونتيجة من نتائج الرياء الاجتماعي الذي ي?ود مجتمعنا, أليس ذلك كله مبرراً للإصلاح الأخلاقي.Bilal.tall@yahoo.com
لهذا نريد الإصلاح الأخلاقي
مدار الساعة (الرأي) ـ