رصدت بالأمس وأنا أقود سيارتي برنامجًا إذاعيّا مُنوّعا على إحدى الإذاعات الأردنيّة ، يُصنّف على أنه فُكاهي بسيط لا يحتمِل العُمق ،والجديّة على حدّ تعبير مُذيع البرنامج . وقد طرح المُقدّم من خلال البرنامج سؤالًا على المُستمعين يقول فيه : من الأقدر برأيكم على حِفظ السرّ المرأة أم الرّجل ؟؟ لتنهال الإتصالات على البرنامج للمُشاركة بالرأي ، وللأسف كانت أغلب الإجابات نساءا ورجالًا تتهّم المرأة بأنها لا تحفظ سرّا ، وأن الرّجل أكثر قُدرةً على الكِتمان، حتى أن أحد المُتصلين الرجال قال : إن الرجل عليه أن لا يثِق بزوجته لأن زوجات هذه الأيام لا يحفظنّ أسرار أزواجهنّ !!! والمُستفزّ في الأمر أكثر كانت إجابات البنات أنفسهنّ الّلواتي اعتقدنَ بأن المرأة لا تحفظ السرّ ، وأن الرجل أكثر قُدرةً على كِتمانه !! !!!!!!!
لم أستطِع منع نفسي من التدخّل ،فأوقفت سيّارتي واتصلت بالإذاعة لأشير الى هذا المحتوى الإعلامي غير المسؤول الذّي ينقُل رسائِل للمُجتمع - تحت مِظلّة الفُكاهة والمزح والخفيف - تُسيىء للمرأة ، وتُقلّل من شأنِها . وكان رأي المذيع أن مُداخلتي محقّة 100% ، لكن برنامجه لا يحتمِل هذه الجديّة ، هو مجرّد برنامج مُصمّم للترفيه عن الناس ، وإضحاكهم. وباعتِقادي أن الترفيه عن الناس وإضحاكهم لا يجب أن يكون على حِساب المرأة، ونشر صِفات سلبيّة عنها ، وسؤالي هو : لماذا لا يخضع المحتوى الإعلامي لهذه البرامج لمُراقبة ، وفحص ، قبل أن يُبثّ الى الجمهور !! فالموضوع ليس صعبًا ، هو استخدام مسؤول لمنابِر الإعلام المؤثّرة والّتي تلعب دورًا هامًا في حرف اتجاهات الناس ، وتعديل قيمهم حول المرأة والرجل والأخلاق، والإنسانيّة ، والوطن، والمُعتقد ، و أمور كثيرة أخرى تمسّ حياتنا ، فتحت مِظلّة الفكاهي ،والترفيهي يتم نشر قيمًا ، وأفكارًا كفيلة بتغيير سلوك مجتمع بأسرِه، سلبًا كانت أم إيجابًا ، فلا تستهينوا بالبرامج الإذاعيّة الّتي يستمِع اليها كل من يجلِس خلف مِقود سيارة ، لأنّ تأثير هذا المحتوى عندما يكون سلبيّا يتحوّل من فِكرة ثمّ الى مُعتقَد، ثمّ الى سلوك. والمرأة تحفظ السرّ ، تحفظه جيّدًا ،ولا تُفشيه ولو وُضِعت على حبل مِشنقة، لأنها بقدر المسؤوليّة الّتي نُحمّلها إيّاها.
جزراوي تكتب: إذاعاتنا المحليّة، ورسائِلها الملغومة
مدار الساعة ـ