دعوة غير مسبوقة.. علنية ومُباشرة أمام عدسات المُصوّرين ووكالات الأنباء، وفي جلسة مباحثات «قمة ثُنائية», تتوسطها طاولة مستطيلة وطويلة.. طالبَ الرئيس المكسيكي مانويل لوبيز اوبرادور نظيره الأميركي/بايدن, بان «تُنهي الولايات المتحدة إزدراءها لأميركا اللاتينية, لافتاً إياه إلى أن الوقت حان «لإنهاء هذا النسيان، هذا التخلّي, هذا الإزدراء لأميركا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي, الذي - أضاف لوبيز - يتعارَض وسياسة حُسن الجِوار التي أطلقها عملاق الحرية، الرئيس الأسبق/فرانكلين روزفلت. ولم يتردّد الرئيس المكسيكي الذي أطلق صيحة يكاد يتفق معه معظم قادة دول العالم, وبخاصة قادة دول العالم الثالث وخصوصاً عالمنا العربي, الذي اكتوى وما يزال بتداعيات وأكلاف وآثار السياسات الأميركية المُعادية له..... لم يتردّد الرئيس المكسيكي في التوجّه إلى نظيره الاميركي قائلاً: بِيدكم - أيها الرئيس بايدن - المفتاح لفتح العلاقات وتحسينها بشكل كبير, بين «كل» دول القادة القارة الأميركية.
أقوال الرئيس المكسيكي الصريحة، الحادّة وغير المسبوقة, كونها جاءت وَجهاً لوجه ولم تكن عبر مقالات رأي في الصحف الأميركية الرئيسية أو عبر تصريحات مُتلفزة، شكّلت مفاجأة صاعقة للرئيس بايدن وخصوصاً لوزير خارجيته/بلينكن, الذي التفت إلى رئيسه (كان يجلس إلى جانبه الأيمن)، مُحمّلِقاً ومُتابِعاً بدهشة ردود بايدن على نظيره المكسيكي. إذ ركّز بايدن (كعادة المسؤولين الأميركيين عندما يتهرّبون من الاجابات الصريحة, ليشقوا طريقهم نحو المساعدات والأرقام المليارية التي قدّمتها بلاده, راداً على دعوة لوبيز: «فقط خلال السنوات الـ«15» الماضية, أنفقنا مليارات الدولارات في نصف الكرة الغربي.. عشرات مليارات الدولارات» قال بايدن متباهياً ومضيفاً: الولايات المتحدة تُقدِّم مساعدات خارجية أكثر من الدول الأخرى مُجتمعة, مُستطرِداً في تبريرغير مُقنع.. لـ«سوء الحظ فان مسؤوليتنا لا تقف عند حدود نصف الكرة الأرضية الغربي.. إذ تشمَل – واصَلَ – وسط أوروبا وآسيا وإفريقيا وجنوب شرق آسيا».لا بد من التوقف عندما انطوى عليه رد الرئيس الأميركي وخصوصاً ما استبطنه هذا الرد، خاصة أنه (رد بايدن) تم حصره في الشق المالي، ولم يتطرّق إلى السياسة والدبلوماسية وخصوصاً التدخلات الأميركية الفظّة والمستمرة في الشؤون الداخلية للقارة اللاتينية قبل وبعد «الاستعمار», الذي مارسته «شركات الفواكه» الأميركية, وسطوها على ثروات وخيرات ومنتجات القارة اللاتينية، بل ودائماً في تدبير الانقلابات ورعاية التنظيمات والأحزاب المُسلحة التي انشأت ديكتاتوريات قمعية، آخذة (واشنطن) على عاتقها مهمة إسقاط أي حكومة يسارية ذات دوافع وطنية استقلالية, حتى لو جاءت بانتخابات حُرَّة ونزيهة ولم يكن مصير الرئيس التشيلي الراحل/سلفادور الليندي سوى أحد الأمثلة عندما جاءت بالديكتاتور/الجنرال بينوشيه ليحكم تشيلي بالحديد والنار ويقتل ويُنكِّل بعشرات الآلاف من أبناء شعبه، دع عنك ما سبق وما تلاً العام التشيلي الدموي/1973، من انقلابات وديكتاتوريات وتدخلات عسكرية أميركية مباشرة. وآجرها إحتضان الإنقلاب على رئيس البيرو اليساري المُنتخَب/بيدرو كاستيلو.طالبَ الرئيس المكسيكي بإنهاء «الإزدراء» الأميركي للقارة اللاتينية, الذي يتمثّل في عدم الاحترام واستمرار النظر إليها كحديقة خلفية ومجالاً حيوياً للولايات المتحدة. التي ما تزال حتى اللحظة تفرض حصاراً وعقوبات غير مسبوقة في قسوتها على كوبا وفنزويلا، (رغم سماح إدارة بايدن لشركات النفط الأميركية بانتاج النفط الفنزويلي لأسباب انتهازية, بعد أزمة الطاقة التي ما تزال تعصف بأوروبا جرّاء الحرب الأوكرانية)، ولا تعترف واشنطن - حتى الآن - بشرعية الرئيس مادورو, رغم انتهاء أكذوبة دميتها/غوايدو, الذي اعترفت به رئيساً لفنزويلا فيما أطاحه أنصاره وحجبوا ثقتهم عنه مؤخراً.التعامل باحترام ونِديّة هذا ما يطلبه الأميركيون اللاتينيون قادة وشعوباً, كما دول العالم الثالث وخصوصاً عالمنا العربي، بعيداً عن المعايير الأميركية المزدوجة والانحياز المكشوف لأنظمة ديكتاتورية واستبدادية, وتبرير دعمها للدول العنصرية والاستعمارية كما هي حال دولة العدو الصهيوني التي تمنحها عشرات بل مئات مليارات الدولارات, مكافأة لها على احتلال أرض فلسطين ونتنكيلها بالشعب الفلسطيني وصرف النظر عن جرائمها وارتكاباتها وإعداماتها الميدانية لأطفاله, نسائِه والشيوخ.وأحسب أن دعوة الاحترام والندية «تردّدت على لسان قادة دول عديدة مثل روسيا والصين ودول أوروبية حتى تلك المُرتبطة بأحلاف عسكرية مع الولايات المتحدة, دون اهمال ما قاله قادة أفارقة للرئيس بايدن خلال القمة الأميركية–الإفريقية التي استضافها نهاية العام المنصرم في واشنطن.في المجمل قال الرئيس الروسي/بوتين في كلمة له أمام منتدى فالداي روسيا/27 تشرين الأول 2022: «لن نحتمل أبداً إملاءات الغرب العنيف والاستعماري». ونحسب أن الرئيس المكسيكي في دعوته بايدن لإنهاء إزدراء القارة اللاتينية, إنما يلتقي مع بوتين الذي طالبَ واشنطن بالتعامل مع بلاده بـ«احترام», بعيداً عن الإستثنائية الأميركية التي اخترعتها الولايات المتحدة منذ عقود وما تزال مُتمسكة بها, رغم المُؤشرات المتسارعة التي تُسنبئ بأن عصر الهيمنة الأميركية في طريقه إلى الأفول.kharroub@jpf.com.jo