استسهال طلب العفو العام والضغط على الحكومة باتجاه اصداره يظهر انه اصبح عادة من قبل البعض وتحديدا النواب وصولا لتحقيق شعبوية ليس وقتها على الاطلاق في ضوء ما تعيشه موازنتنا وماليتنا العامة من عجوزات وضغوط اقتصادية كبيرة، فهل يعي المطالبون باصدار عفو عام نتائجه على الموازنة والمجتمع؟، وهل يعلمون ان اخر عفو عام لم يمض على اصداره 3 سنوات فقط؟.
الجميع يعلم ان الاردن أصدر عفوا عاما في العام 2019 ونتيجة لمطالب نيابية وشعبية في نفس الوقت، غير أن نتائجه كلفت الخزينة والبلاد خللا اقتصاديا واجتماعيا لربما الكثيرون لمسه، فهل يعقل أن يصبح العفو العام لدينا موسميا ومتاحا كلما خرجت اصوات تطالب بذلك بهدف تحقيق مصالح وشعبويات لا تغني ولا تسمن من جوع سوى أنها تحدث خللا في منظومتنا الاقتصادية والمجتمعية وتغيب القانون وتبرر للكثيرين تجاوزه وارتكاب الأخطاء، وذلك لانه يعلم او يسمع بأن عفوا عاما سيصدر قريبا، ومن هنا لابد للحكومة ان تكون اكثر صرامة في تبرير عدم قدرتها على اتخاذ مثل هذا القرار اذا ما كانت خزينتها فعلا لا تسمح وهي بالفعل لا تمتلك الترف للتنازل عن الحق العام.الغريب اليوم ليس المطالبة باصدار عفو عام فقد اعتدنا هذا الشيء، غير ان الغريب وما يدعو الى الاستفهام ان تكون الحجج المرافقة لهذه المطالب تستند الى ان سجوننا لم تعد تتسع مزيدا من مخالفي القانون وبأن اعداد المساجين لدينا تفوق القدرة الاستيعابية للسجون، وان كان هذا صحيحا فعلا فاننا امام خلل مجتمعي كبير سيحدث ويجعل من ارتكاب الاخطاء والمخالفات وغيرها امرا يسيرا على المخالفين ومرتكبي الجريمة، ويرفع من قدرتهم على استسهال صدور العفو العام في كل مرة،ومن هنا فهم لن يدفعوا ولن يسددوا وسيخالفوا ويضربوا ويقتلوا ويروجوا ويأكلوا حقوق الغير ويتبلطجوا والاهم من ذلك انهم سيستمرون بمخالفة القانون واستباحة المال العام، فهل هذا فعلا ما نريده لوطننا ولاقتصادنا ومجتمعنا.بالأمس القريب اعلنها وزير المالية صراحة بان الموازنة لا تحتمل اهدار اي قرش منها، للبقاء على نسبة العجز المالي عند الحدود الموضوعة في الموازنة للعام الحالي، وجميعنا يعلم ان اصدار عفو عام سيهدر على الخزينة مئات الملايين من الاموال المستحقة للخزينة نتيجة الخدمات والمخالفات والغرامات والرسوم والمسقفات وغيرها من الايرادات والتي تعتبر مهمة ومحسوبة بالقرش وبرسم التحصيل، فكيف للحكومة ان تستجيب وتفوت على خزينتها مبالغ مالية تعلم جيدا انها ستضطر لاحقا وفي حال تنازلها عنها الى الاستدانة لتعويضها في النفقات الجارية والراسمالية للدولة، وبهذا تكون رفعت تراكمية الدين العام لحدود لا تستطيع المناورة بعدها.بالنهاية، من حق النواب ان يطالبوا بما يشاءون لناخبيهم وقواعدهم الشعبية، واما الحكومة فما عليها سوى ان تتعامل مع تلك المطالب بعقلانية وحسابات دقيقة تقيس الاثر الاقتصادي والمالي والاجتماعي لاي قرار، والتي جميعها حاليا وبهذه الظروف ترفض اصدار عفو عام، وخاصة ان اخر عفو لم يمض عليه كثير ما يجعل من اعتماد الكثيرين على ان العفو العام يصدر وبشكل دوري امر سهل فتسهل عليه الجريمة ومخالفة القانون بكافة اشكاله.
'العفو العام'.. هل أصبح عادة؟
مدار الساعة (الرأي) ـ