تابعت ما نشر على وسائل التواصل الإجتماعي المصرية حول الشيخ محمد متولي الشعراوي, والهجوم الذي تعرض له، بعد أن تم الإعلان عن تجسيد شخصيته في عمل مسرحي وتلفزيوني خلال شهر رمضان.
في طفولتي كنت اتسمر على التلفاز كي اتابع حديث هذا الإمام، كان يشدني بطريقته... بصوته وبحركة جسده أثناء تفسير القرآن, وبصراخ من حضروا درسه الأسبوعي وهو يقولون: (الله الله.. ربنا يفتح عليك يا سيدنا).. وقتها كان ما يأتينا من إعلام مصر أفلام محمود ياسين، وعادل إمام.., كنا نتبادل فيلم (الكحتوت) على أشرطة الفيديو.. ونفرح حين نشاهد (مديحة كامل) في دور امرأة من الصعيد.لكن الشعراوي لم يكن سلعة فنية، ولا منتجا استهلاكيا.. لم يكن فيلما للترفيه, كان يمثل العقل والعبقرية والإبداع.. كان يمثل قوة وقدرة المصري, وكان يمثل الاعتدال بأبهى صوره.. وهو من وضع في عقولنا ونحن صغار الصورة الأخرى لمصر... هو من قدم «الأزهر» بطريقة تليق في هذه المؤسسة العظيمة, هو الذي أخبرنا أيضا بأن مصر ليست محمود ياسين وعادل إمام فقط بل مصر.. هي العبقرية أيضا وهي الدين السمح, وهي الكتاب والسطر والمعرفة والتنوير..مصر تفوقت في كل مجالات الإعلام... لكن الشعراوي، هو من سرق عقولنا وقلوبنا.. وجعلنا نتأمل مدرسة جديدة وشكلا جديدا في تفسير القرآن والتفكر به, كان نظن أن التفسير يقوم على قاعدة: شرح الشيء المبهم... لكن الشعراوي قفز فينا إلى مرحلة التأمل واكتشاف الإعجاز.استغرب من الذين يهاجمونه, لو كانوا يملكون ذرة من عبقريته لقلنا معهم حق.. واستغرب أن يتم ايقاف عمل يجسد شخصيته وحياته, فلو عرضت صورته في العالم الإسلامي.. اجزم أن الملايين ستعرفه وستحن لصوته وحضوره ودروسه, لأنه لم يكن عابرا.. بل كان مقيما في القلب والعقل.. وهو من أهم انجازات مصر, لا بل يكاد يكون المفسر الأول للقرآن الذي جعلنا نصمت أمام عبقرية... لا تتكرر.والسؤال الذي دائما أود طرحه هو: لماذا لم ننتج مثل الشعراوي..؟ فلدينا مئات الشباب الذين تخرجوا من الأزهر, ولدينا الكثير من الشيوخ الذين تمكنوا من الفقه والعلم جيدا.. ولدينا عشرات المؤسسات الدينية وكليات الشريعة.الشعراوي... كان مفكرا إسلاميا بامتياز, صدر للعالم الإسلامي مصر كما يجب أن تصدر.. صدر التنوير والمعرفة والمنهج العقلاني.. ماذا ينقصنا لكي ننتج علامة مثله أو على الأقل بنصف حجمه؟على كل حال.. اعتقد أن التراجع في انتاج عمل يجسد شخصية هذا الرجل, يعتبر خسارة لنا.. فقد كنا نحتاج, أن نعرف كيف تولد العبقرية المصرية... ولكن هذا الجدل الذي حدث, أدى بنا لأن نخسر عملا مهما عن الشعراوي.. لحساب من؟... لحساب (التيك توك).. لحساب الاستهلاك؟ لحساب الترفيه؟..رحم الله شيخا كان صوته.. يقتحم شغاف قلبك, ويجعلك في الحلقة الواحدة تنطق الشهادة مئة مرة..Abdelhadi18@yahoo.com