أخبار الأردن اقتصاديات مغاربيات خليجيات دوليات جامعات وفيات برلمانيات رياضة وظائف للأردنيين أحزاب مقالات أسرار ومجالس تبليغات قضائية مقالات مختارة مستثمرون جاهات واعراس الموقف شهادة مناسبات مجتمع دين اخبار خفيفة ثقافة سياحة الأسرة طقس اليوم

معالم بيرين (١): الجال الشرقي.. والجال الغربي

مدار الساعة,أخبار السياحة في الأردن
مدار الساعة ـ
حجم الخط
مدار الساعة - كتب: عبدالله محمد الغويري.
لسنواتٍ.. ظلَّ يترددُ على الأسماع تلكَ التوزيعة المكانيّة التي تَبنَّاها الأولونَ لوصفِ الحياةِ على جانِبَيّ وادي بيرين، فما وجدوا أدق وأسهل من كلمة (الجَال) لِيُعبِّروا من خلالها على النَّاس والجَمَادات في كل طرف، ولِيكونَ كل طرف راوياً لِلحكايات المَنْسوجةِ من الأحداث.. الأحداث المُوغِلة في صدور النّاس.. النَّاس الذين تواتروا وتناسلوا حول المكان..المكان المُتَوسِّد في كل جهة.. الجهة الماثلة على كل ناصية في جوانب الوادي.. الوادي الذي انْشَطرَ إلى نِصفين.. أو (جَالَيْن).. كلمة (الجَال) تعني اصطلاحاً النّاحِية أو الجهة من طرف الوادي أو البئر أو نحوهِ، وبالتالي كان إطلاقهم لتلك التسمية صحيحاً من النّاحِية اللغويّة. فإذا كانت مدينة عمّان في وجهكَ وأنتَ تتجِهُ نحو القِبْلةِ يُصبح (الجَالُ الغَربِيُّ) عن يمين الوادي، و(الجَالُ الشَرقِيُّ) من جهة اليسار. ومن هُنا تَلازمَ مع الجَالَيْنِ سؤالٌ أزليٌّ .. أيهما الأفضل؟.. الجال الشرقي أم الجال الغربي؟!.وأيهما الأحسنُ لِلعيش فيه..؟ الجال الشرقي أم الجال الغربي.؟!!. في بدايات تَفَتُّحِ الحياة على بيرين، وخلال المراحل الأولى من استيطان النّاس في بطن الوادي - اختاروا أنْ يَقْطنوا في الجال الغربي لأسبابٍ (جُغرافيّةٍ) أهمها : استقبال خيوط الشمس منذ بزوغها، وحصولهم على حِصَّة كافية من الإشعاع الشمسي خلال النَّهار(خصوصاً في فصل الشتاء) لِأنّهُ الجهة المقابلة لِشروق الشمس، الأمر الذي جَعَلهُ يُعطي دفئاً أكثر من الجال الشرقي، أَضِفْ على ذلك طبيعة الأرض التي اختارها النّاس في الجال الغربي من الناحية (الطُبوغرافيّة) - فغالِبُ السّفوحِ عليهِ مُنبسطةٌ تُعطي راحةً وطَوَاعِيةً في الاستقرارِ مُقَارنةً بالجالِ الشرقي الأكثرِ مَيْلاً وانحداراً نوعاً ما. من حيث (التوزيع الديمُوغرافي) كان الجال الغربي هو المُستضيف الأول للسكان، فكانت بيوتُ الشَّعْرِ توشِّحُ سُفوحهُ في الصيف، أضف على ذلك (المَرَاح او المَرْحَى) وهو عبارة عن المكان الذي تَسْكُنُ فيه العائِلةُ - وعندما يُغادرونَ مِنْهُ تبقى آثار سَكَنهم وبقايا رماد نِيرانهم ورَوْث أغنامهم ومواشيهم تدل على تواجِدهم في ذلك المكان. أمَّا المَغَارات فاتخذوها أكْناناً يلوذونَ بها اتقاءً من الأمطار الغزيرة والثلوج والبَرْد القارس، مثل مغارة (الحاجّ سمرين خلف سليمان الغويري رحمه الله) و (الحاجّ محمد خلف سليمان الغويري رحمه الله - القَنَّاص) ومغارة (الحاجّ طالب غيث سليم الغويري رحمه الله) و (الحاجّ مفلح منصور الغويري رحمه الله)، أو المغارة التي قَطَنها (الحاجّ عقلة سليم الخلايلة ابو عارف رحمه الله) فترةً من الزمن، بالإضافة إلى مغارة (الحاجّ محمد الخليفة الخلايلة رحمه الله) ومغارة المُختار (الحاجّ خليف سليم الغويري رحمه الله). في فترات الخَمسينات والسِّتينات تطور السَّكَن على الجال الغربي نحو بيوت الطِّين والقُصّيب مثل دار (الحاجّ عواد ماضي الغويري رحمه الله) و (الحاجّ هزاع ماضي الغويري) و (الحاجّ سليمان غظيان الغويري رحمه الله) و (الحاجّ مفلح منصور الغويري رحمه الله) و (الحاجّ سلمان حامد محمد الغويري رحمه الله) و (الحاجّ عايد سعد الغويري رحمه الله) و(الحاجّ فلاح عقيل الغويري رحمه الله) و (الحاجّ محمود منيزل الغويري رحمه الله) و (الحاجّ عبود منيزل الغويري رحمه الله). من ناحية (الثقل السياسي والنّفُوذ الإجتماعي) كانت الكفّة الرّاجحة تميل لِصالح الجال الغربي - حيث احتضنَ بَيْتَ المُختار (خليف سليم الغويري رحمه الله) - الذي كان بيته نقطة لِتَّجَمّع الثقافي وسَرد الأحداث ومتابعة الشؤون الإدارية والتنظيمية لِلقرية وتسجيل المواليد، كان ذلك المُخْتار واسع الإِطْلاع.. مُتَوقِّدَ الذّهنِ.. ويسبقُ أبناء عَصْرِهِ في كثير من القضايا الفِكرية والعِلْمية. ومِمّا يُضْفي المزيد من المَكَانة السياسيّة والإجتماعيّة وجود بيت إمام وخَطيب مسجد بيرين القديم (الحاجّ فلاح عقيل الغويري رحمه الله) ومؤذن المسجد (الحاجّ محمود منيزل الغويري رحمه الله)، بالإضافةِ إلى مبنى البريد القديم، والبناء المُستأجر للمدرسة الأساسية (الذي كان في دُور الحاجّ نهار خلف الغويري). مع مَطْلعِ السبعينات بدأت أول مظاهر العُمْران تَتَجَلّى على أرض الجال الشرقي، فَبُنِيت مدرسة بيرين الأساسية، ثم تلاها مقر المَخْفر القديم (وهو عبارة عن بناء مُستأجر من الحاجّ محمد مغير الغويري رحمه الله). بعدها بدأت أول حالات الهِجْرة نحو الشرق في منتصف السبعينات - عن طريق بناء بيوت الأسمنت مثل بيت (الحاجّ عبدالله مفلح منصور الغويري) و(الحاجّ أحمد منيزل الغويري)، ثمَّ دار جَدِّي (الحاجّ عبدالله منيزل الغويري رحمه الله) ودار أخيه (الحاجّ محمود منيزل رحمه الله)، وبعدها بِعدة سنوات دار (الحاجّ مِطْلب سليمان عويمر الغويري رحمه الله). الكثير من بيوت الطين الموجودة في الجال الغربي وبعض البيوت الإسمنتية على الجَالَيْنِ بناها (الحاجّ مفلح عقيل الغويري رحمه الله) المُختص بهذا المجال. مع نهاية السبعينات وبداية الثمانينات ظهرت معالم جديدة على الجال الشرقي مثل المركز الصحي والمدارس الثانوية و مركز القَضَاء والمجلس القروي، بالإضافة إلى مبنى بلدية بيرين والمركز الزراعي (إذا افترضنا أنَّ مسار الوادي هو الحد الفاصل بين الجهتين). كما ورافقَ تلك الفترة زيادة في وتيرة الزَّحف العُمْراني نحو الجال الشرقي مِنَ السَّاكِنِيْنَ الجُدُدِ أو مِنَ السَّالفِ ذِكْرُهُم الذينَ كانوا يسكنونَ في الجال الغربي ثمَّ تفاعلوا مع موجة الهجرة الجديدة نحو الشرق، أضف عليهم العديد من البيوت الأخرى التي تراكمت طوال فترة الثمانينات، مِمّا يعني تفوقاً واضحاً من الناحية الديمُوغرافيّة لصالح الجال الشرقي هذه المرة. وارتفعَ معدل السَّباق العُمْراني بين الجَالَيْنِ أكثر في التسعينات، فأصبحَ كلُّ بيتٍ يُبنى في الجال الغربي يُقابِلهُ بناء خمس أو ست بيوت في الجال الشرقي بنفس الوقت. النشاط (التجاري) كانت انطلاقته الأولى في الجال الغربي عن طريق دُكّان (الحاجّ خليف سليم الغويري رحمه الله)، ثمَّ دُكّان جَدِّي (الحاجّ فلاح عقيل الغويري رحمه الله) والتي غَطَّت معظم مرحلة السبعينات، ثمَّ تلتها على نفس الجال دكان خال والدي - (الحاجّ حمدان سلمي الغويري رحمه الله) والتي استمرت من بداية الثمانينات حتى منتصف التسعينات - تلك الدكان التي تَرَعْتُ عند عَتبتها أول رَشفة في حياتي من المشرَوبات الغازيّة (البيبسي). وظَلَّ الجال الغربي حتى يومنا هذا يتفوقُ نسبياً على الجال الشرقي بأشكالِ الحركةِ التجاريةِ مثل البَقَّالات وأسواق الخضروات وصالونات الحِلاقة ومخازن البناشر وغيار زيت السيارات ومحلاّت مواد البناء والمكاتب العَقاريّة وغيرها. من (الناحية الاستشرافيّة) يستطيعُ أهل الجال الغربي أنْ يرصدوا ما يحدث على الجال الشرقي قبل أهل الجال الشرقي أنفسهم، فمثلاً يستطيعونَ معرفة القادمينَ من جهة الزرقاء أولاً، فكانوا هم السَّبَّاقِينَ في تَحرِّي مشاهدة روفر (الحاجّ خليفة موسى الخلايلة رحمه الله) وهِيَ تَتَهادى على الدرب الوعرة نُزولاً من رِجم جَمْعَان إلى قاع الوادي. بينما يستطيعُ أهل الجال الشرقي رصد الحركة القادمة من جهة الجنوب (عَمّان وغيرها) ومن جهة الشَّمال الغربي (جرش وغيرها)، هذه المِيزة ظَلَّت حتى يومنا هذا وتناوبت على الجَالَيْنِ.. والعكس بالعكس. كانت الطقوسُ والمناسباتُ الدِّينيةُ مثل صلاة الجَمَاعة وصلاة التراويح والجُمُعة والعِيد وصلاة الجَنازة تُقامُ على أرض الجال الغربي مع تأسيس مسجد بيرين القديم، وهذه الهَيْمنة للجال الغربي في (الجانب الدِّيني والرَّوحاني) لا تزالُ مُسيطرةً حتى يومنا هذا - بالرغم من وجود المساجد التي بُنيت في بيرين هنا وهناك. أضف على ذلك تَشْيِيعُ الجنائز ودفنها في تُراب الجال الغربي (مقبرة بيرين)، مِمَّا يعني أنَّ الجال الغربي استضافَ الأمواتَ أيضاً، وأنَّهُ يحتوي على قِطْعةٍ من حياة البرزخ وأول منازل الدار الآخرة. من حيث الرُّؤية (الفَلَكيّة والكَوْنِيّة) أهلُ الجال الشرقي يستطيعونَ متابعة غروب الشمس، ولا يَنْطلي عليهم مشهد الشفق الأصفر والبرتقالي الذي يصنعهُ قُرْصُ الشمسِ قبل أنْ تَتَوارى خلف جبال بيرين الغربيّة، بل لهم الأفضليّة في رؤية الأَهِلَّة المولودةُ جَديداً مثل هِلال (شهر رمضان) وهو يُرصِّعُ نهاية القُبَّةِ السماويّةِ من الغرب. أمَّا اهل الجال الغربي فيستطيعونَ رؤية القمر - بعد مرحلة الإكتمال (البَدْر) وهو يَبْزغُ من فوقِ الجبالِ الشرقيةِ لِبيرين، بل إنَّ لهم القدرة على ملاحظة اختلاف مَدَارج شروق الشمس أثناء السنة - حيث تُشرِقُ من أقصى اليمين (الجنوب) في فصل الشتاء، وفي الصيف من أقصى اليسار (الشَّمَال). لَدَيَّ تفسيرٌ يَربِطُ بينَ تصرفاتِ النَّاس وظروفِ المكان الذي عاشوا فيهِ، فتَجِدُ أنَّ أهلَ الجال الغربي هادئونَ.. ودودونَ.. صَبُورونَ.. طويلو البَال.. ومُنشرِحو الصَّدْرِ، ولربما فَرَضَت عليهم جغرافيا السفوح المُنبسطة وديموغرافيا التباعد العمراني تلك الطَّبائع، أو أنَّ أشعة الشمس شَكَّلَت أدمغتهم وهي تَرْبِتُ بِحَنْوٍ على رؤوسهم خلال النَّهارِ - ولا أدري إنْ كنتُ مُخطِئاً أو مُصِيباً في تحليلي واستنتاجي هذا. أمَّا أهلُ الجال الشرقي فهم مُرهفو الحِسِّ.. سريعو الرِّضا وسريعو الغضب..عَجُولونَ أكثر.. عَمَلِيّونَ.. وبْرَاغْمَاتِيْونَ..وحَالِمونَ لِلغايةِ، يعودُ ذلكَ للتضاريسِ المائلةِ والديموغرافيا المُزدحمةِ التي جَبَلَتهم على ذلك، أو أنَّ السببَ يرجعُ إلى قساوةِ الصخور الصَّلْدَةِ التي يَقْبَعُونَ فوقها. بعضُ سُكّانِ الجال الشرقي ترعرعوا على الجال الغربي أولاً، فَترى العَدِيدَ منهم يَتحسَّرونَ على الأيامِ الجميلةِ التي قضوها هناك، ويَتمنَّونَ لو عادَ بِهمُ الزّمانُ ولو لِيومٍ واحد على تِلالهِ وبين صُخُورهِ، أو لو ناموا لِلَيْلَةٍ واحدةٍ في مَغَاراتِهِ، أو لو حَظُوا بِتعليلةٍ واحدةٍ مع الوجوهِ المُذْعِنَةِ لراديو المختار خليف السليم رحمهُ الله، أو لو أخذوا درساً واحداً عند مُعلِّم الكُتَّابِ الحاجّ فلاح العقيل رحمهُ الله، أو لو شربوا قَدَحاً من الشاي بين أركان بُيوتهِ الطِينيّة، أو لو اشْتَمُّوا عِرقَاً من الزَّعْترِ على سُفوحهِ، أو لو هَشُّوا بأعصِيتهم على أغنامٍ تَحُومُ فوق جِبالهِ .. أنَّى لَهم ذلك. !!، فهم لا يملكونَ الآن شيئاً - سِوى أنْ يُحرِّكَ المرءُ منهم رأسهُ نحو الغَربِ وهو يَفْركُ أنْفهُ مُتَحاشِياً لِتلكَ الضوضاء التي خَلَّفَتْهَا الحياةُ على الجانبِ الشرقي.يبقى الجال الغربي هو الانطلاق والبداية.. وأصْلُ الحِكاية.. ولا يمكن أنْ نسرد الأحداث دون الرجوع إلى شكلِ الحياةِ التي كانت عليهِ، أو على ذكر النّاس الذين عَبَروا من خِلاله، ولا أدري لماذا يُخالِجُني ذلك الشعور الغريب كلما مَرَرْتُ بهِ - ربما هيَ حركة جِيْنات الجال الغربي التي كسبناها من الآباء والأجداد الذينَ سَبقونا إليهِ. في المراتِ القادمةِ - إذا ذهبتُ نحو الجال الغربي - لَنْ أسمحَ لِغَمَامةِ التَّفاوتِ بين الجِهتَيْنِ أنْ تَتَغشَّانِي، سَأمُدُّ قامتي .. وأرفَعُ نَظَرِي صَوبَ السَّماء.. وأمشي بزهوٍ.. ليسَ تَكَبُّراً ولا تَعَجُّبَاً.. بل لِسببٍ واحدٍ.. وهو أنَّني ذلكَ الشخصُ القادمُ من الشرقِ..!!.
مدار الساعة ـ