كان من أسوأ افرازات إفلاس الفكر السياسي ثم العمل السياسي في الاردن، أن برزت في بلدنا خلال العقود الاخيرة القليلة مجموعة من الظواهر الصوتية، حيث طفت مجموعة من الاشخاص على سطح العمل العام ونالوا شهرة واسعة دون أن يكون لديهم أي فكر سياسي أو اقتصادي أو اجتماعي، ومن ثم برامج اصلاح أو تحديث في هذه المجالات كلها أو بعضها، لكن سبب شهرة هؤلاء وحضورهم هو امتلاكهم السنة سليطة بل بذيئة، لا يتقن أصحابها إلا لغة السب والشتم، وتصنيف انفسهم على أنهم معرضة، كل سلاحهم دغدغة عواطف الجمهور واستثمار عقلية القطيع
باللعب على مشكلات الناس دون اقتراح حلول عملية لها.من المؤسف أن هؤلاء (الشتيمة) يشتمون الاردن ويسيؤون إلى صورته ويهولون من حجم الأخطاء التي تقع فيه، دون أن يقدموا بديلا وحلولا منطقية للمشاكل التي يعاني منها المواطن الاردني، واخطر ما في سلوك هؤلاء (الشتيمة) أنهم لايسعون للعمل الجماعي المنظم، لا لشيء إلا لأنهم أسرى فرديتهم وانانيتهم ونرجسيتهم، والعمل الجماعي قد يحول بينهم وبين هذه النرجسية، ويحد من (الأنا) المتضخمة عندهم.لقد وصل بعض هؤلاء إلى قبة البرلمان، ومع ذلك فإن شيئا من خطابه لم يتغير، بل ظل الشتم والاتهام والصوت العالي بل «الزعيق» سلاحهم واسلوبهم في العمل.البعض الآخر من هؤلاء (الشتيمة) يتمددون على وسائل التواصل الاجتماعي، لشتم الاردن من خلال شتم رموزه ومؤسساته، وهو الأمر الذي صار تجارة ومصدر رزق لهؤلا، سواء من خلال عدد المتابعين أو من خلال تمويل منظم من بعض الجهات الإقليمية، بل أن بعض هؤلاء (الشتيمة) يمارسون البلطجة والابتزاز من خلال بذاءة ألسنتهم.لقد ساعد على نمو ظاهرة الشيمة والابتزاز ليس مجرد ضعف الكثيرين ممن تولوا المناصب العامة في بلدنا وعدم وتصديهم للشتيمة والمبتزين، بل والسعي لاسترضائهم والاغداق عليهم مما شجع على تكاثرهم. لكن عزاءنا الوحيد أنه رغم أن بعضهم استمر يمارس دوره في الشتم لسنوات طويلة لكنه لم يترك أثرا حقيقيا باستثناء بعض الندوب في جسد الوطن، بالإضافة إلى دورهم في هز الثقة بين المواطن والدولة وهما أمران يمكن معالجتهما بالقليل من العمل الجاد الذي يؤكد أن هؤلاء ليسوا أكثر من ظواهر صوتية لا أثر حقيقي لها على وطننا.